عبيد بن عمير تحسونهم رباعيا من الإحساس ، أي تذهبون حسهم بالقتل. وتمني القتل بوقت الفشل وهو : الجبن ، والضعف.
والتنازع وهو التجاذب في الأمر. وهذا التنازع صدر من الرماة. كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد رتب الرماة على فم الوادي وقال : «اثبتوا مكانكم ، وإن رأيتمونا هزمناهم ، فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» ووعدهم بالنصر إن انتهوا إلى أمره. فلما انهزم المشركون قال بعض الرماة : قد انهزموا فما موقفنا هنا؟ الغنيمة الغنيمة ، الحقوا بالمسلمين. وقال بعضهم : بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : التنازع هو ما صدر من المسلمين من الاختلاف حين صيح أن محمدا قد قتل.
والعصيان هو ذهاب من ذهب من الرماة من مكانه طلبا للنهب والغنيمة ، وكان خالد حين رأى قلة الرماة صاح في خيله وحمل على من بقي من الرماة فقتلهم ، وحمل على عسكر المسلمين فتراجع المشركون ، فأصيب من المسلمين يومئذ سبعون رجلا.
(مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) ، وهو ظفر المؤمنين وغلبتهم. قال الزبير بن العوام : لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا.
وإذا في قوله : إذا فشلتم ، قيل : بمعنى إذ ، وحتى حرف جر ولا جواب لها إذ ذاك ، ويتعلق بتحسونهم أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت. وقيل : حتى حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية ، كما تدخل على جمل الابتداء والجواب ملفوظ به وهو قوله : وتنازعتم على زيادة الواو ، قاله : الفراء وغيره. وثم صرفكم على زيادة ثم ، وهذان القولان واللذان قبلهما ضعاف. والصحيح : أنه محذوف لدلالة المعنى عليه ، فقدره ابن عطية : انهزمتم. والزمخشري : منعكم نصره ، وغيرهما : امتحنتم. والتقادير متقاربة. وحذف جواب الشرط لفهم المعنى جائز لقوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) (١) تقديره فافعل ويظهر أن الجواب المحذوف غير ما قدروه وهو : انقسمتم إلى قسمين. ويدل عليه ما بعده ، وهو نظير : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (٢) التقدير : انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد لا يقال : كيف ، يقال : انقسموا فيمن
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٣٥.
(٢) سورة لقمان : ٣١ / ٣٢.