على الوصف الذي يقتضي ذلك وهو الإيمان ، لأنّ من آمن بالله خير أن لا يكون اتكاله إلا عليه ، ولذلك قال : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) وأتى به عاما لتندرج الطائفتان الهامّتان وغيرهم في هذا الأمر ، وأن متعلقة من قام به الإيمان. وفي هذا الأمر تحريض على التغبيط بما فعلته الطائفتان من اتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسير معه.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) لمّا أمرهم بالتوكل عليه ذكّرهم بما يوجب التوكل عليه ، وهو ما سنى لهم ويسر من الفتح والنصر يوم بدر ، وهم في حال قلة وذلة ، إذ كان ذلك النصر ثمرة التوكل عليه والثقة به. والنصر المشار إليه ببدر بالملائكة ، أو بإلقاء الرعب ، أو بكف الحصى التي رمى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو بإرادة الله لقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢) أقوال.
والجملة من قوله : وأنتم أذلة حال من المفعول في نصركم ، والمعنى : وأنتم أذلة في أعين غيركم ، إذ كانوا أعزة في أنفسهم ، وكانوا بالنسبة إلى عدوهم ، وجميع الكفار في أقطار الأرض عند المتأمل مغلوبين. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد».
والأذلة : جمع ذليل. وجمع الكثرة ذلان ، فجاء على جمع القلة ليدل أنهم كانوا قليلين. والذلة التي ظهرت لغيرهم عليهم هي ما كانوا عليه من الضعف وقلة السلاح والمال والمركوب. خرجوا على النواضح يعتقب النفر على البعير الواحد ، وما كان معهم من الخيل إلا فرس واحد ، ومع عدوهم مائة فرس. وكان عدد المسلمين ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلا : سبعة وسبعون من المهاجرين وصاحب رايتهم علي بن أبي طالب ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار وصاحب رايتهم سعد بن عبادة. وقيل : ثلاثمائة وستة عشر رجلا. وقيل : ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا. وفي رواية : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا. وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل. وما أحسن قول الشاعر :
وقائلة ما بال أسوة عاديا |
|
تفانت وفيها قلة وخمول |
تعيرنا أنا قليل عديدنا |
|
فقلت لها إن الكرام قليل |
وما ضرنا أنا قليل وجارنا |
|
عزيز وجار الأكثرين ذليل |
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٢٣.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٢٦.