قيل : لما أراهم الآيات وضع لهم ألوانا شتى من حب واحد آمنوا به واتبعوه. وقرأ الجمهور : الحواريون ، بتشديد الياء. وقرأ إبراهيم النخعي ، وأبو بكر الثقفي ، بتخفيف الياء في جميع القرآن ، والعرب تستثقل ضمة الياء المكسور ما قبلها في مثل : القاضيون ، فتنقل الضمة إلى ما قبلها وتحذف الياء لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها ، فكان القياس على هذا أن يقال : الحوارون ، لكن أقرت الضمة ولم تنقل دلالة على أن التشديد مراد ، إذ التشديد يحتمل الضمة كما ذهب إليه الأخفش في : يستهزئون ، إذ أبدل الهمزة ياء ، وحملت الضمة تذكرا لحال الهمزة المراد فيها.
(نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أي : أنصار دينه وشرعه. والداعي إليه.
(آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) لما ذكروا أنهم أنصار الله ذكروا مستندا لإيمانهم ، لأن انقياد الجوارح تابعة لانقياد القلب وتصديقه ، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم ، وعليهم. ودل ذلك على أن عيسى عليهالسلام كان على دين الإسلام ، برأه الله من سائر الأديان كما برأ إبراهيم بقوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) (١) الآية ، ويحتمل أن يكون : واشهد ، خطابا لله تعالى أي : واشهد يا ربنا ، وفي هذا توبيخ لنصارى نجران ، إذ حكى الله مقالة أسلافهم المؤمنين لعيسى ، فليس كمقالهم فيه ، ودعوى الإلهية له.
(رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) أي : من الآيات الدالة على صدق أنبيائك ، أو : بما أنزلت من كلامك على الرسل أو بالإنجيل.
(وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) هو : عيسى على قول الجمهور.
(فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) هم : محمد صلىاللهعليهوسلم وأمّته ، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم يشهد لهم بالصدق. روى ذلك عكرمة عن ابن عباس ، أو : من آمن قبلهم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. أو : الأنبياء لأن كل نبي شاهد على أمّته. أو : الصادقون ، قاله مقاتل. أو : الشاهدون للأنبياء بالتصديق ، قاله الزجاج. أو : الشاهدون لنصرة رسلك ، أو : الشاهدون بالحق عندك ، رغبوا في أن يكونوا عنده في عداد الشاهدين بالحق من مؤمني الأمم ، وعبروا عن فعل الله ذلك لهم بلفظ : فاكتبنا ، إذ كانت الكتابة تقيد وتضبط ما يحتاج إلى تحقيقه وعلمه في ثاني حال.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٧.