المعنى : أي وجئتكم لأحلّ لكم. وقيل : تتعلق اللام بقوله : وأطيعون ، والمعنى : واتبعون لأحل لكم ، وهذا بعيد جدا. وقال أبو البقاء : هو معطوف على محذوف تقديره : لأخفف عنكم ، أو نحو ذلك.
وقال الزمخشري : ولأحل ، ردّ على قوله : بآية من ربكم ، أي : جئتكم بآية من ربكم ، لأن : بآية ، في موضع حال ، و : لأحل ، تعليل ، ولا يصح عطف التعليل على الحال لأن العطف بالحرف المشترك في الحكم يوجب التشريك في جنس المعطوف عليه ، فإن عطفت على مصدر ، أو مفعول به ، أو ظرف ، أو حال ، أو تعليل ، أو غير ذلك شاركه في ذلك المعطوف.
(وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) ظاهر اللفظ أن يكون قوله : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) للتأسيس لا للتوكيد ، لقوله : قد جئتكم بآية من ربكم ، وتكون هذه الآية قوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) لأن هذا القول شاهد على صحة رسالته ، إذ جميع الرسل كانوا عليه لم يختلفوا فيه ، وجعل هذا القول آية وعلامة ، لأنه رسول كسائر الرسل ، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال. وكسر : إن ، على هذا القول ، لأن : قولا ، قبلها محذوف ، وذلك القول بدل من الآية ، فهو معمول للبدل. ومن قرأ بفتح : أن ، فعلى جهة البدل من : آية ، ولا تكون الجملة من قوله : إن ، بالكسر مستأنفة على هذا التقدير من إضمار القول ، ويكون قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) جملة اعتراضية بين البدل والمبدل منه.
وقيل : الآية الأولى في قوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) هي معجزة. وفي قوله : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) هي الآية من الإنجيل ، فاختلف متعلق المجيء ، ويجوز أن يكون (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) كررت على سبيل التوكيد ، أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من : خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفيات ، وبغيره من ولادتي من غير أب ، ومن كلامي في المهد ، وسائر الآيات. فعلى هذا من كسر : إن ، فعلى الاستئناف ، ومن فتح فقيل التقدير ، لأن (اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) ، فيكون متعلقا بقوله : فاعبدوه ، كقوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ثم قال : (فَلْيَعْبُدُوا) (٢) فقدم : أن ، على عاملها. ومن جوز : أن تتقدم : أن ، ويتأخر عنها العامل في نحو هذا غير مصيب ، لا يجوز : أن زيدا منطلق عرفت ، نص على
__________________
(١) سورة قريش : ١٠٦ / ١.
(٢) سورة قريش : ١٠٦ / ٣.