مدلولها من كونها اسم جنس ، ولم يقيد بالوحدة ، فوصفها : بطيبة ، واضح! وإن كان أراد ذكرا واحدا ، فأنث لتأنيث اللفظ ، كما قال :
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
سكات إذا ما عضّ ليس بأدردا |
وكما قال :
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
وأنت خليفة ذاك الكمال |
وفي قوله : (هَبْ لِي) دلالة على طلب الولد الصالح ، والدعاء بحصوله وهي سنة المرسلين والصديقين والصالحين.
(إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) لما دعا ربه بأنه يهب له ولدا صالحا ، أخبر بأنه تعالى مجيب الدعاء. وليس المعنى على السماع المعهود ، بل مثل قوله : سمع الله لمن حمده. عبر بالسماع عن الإجابة إلى المقصد ، واقتفى في ذلك جده الأعلى إبراهيم عليهالسلام إذ قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (١) فأجاب الله دعاءه ورزقه على الكبر كما رزق إبراهيم على الكبر ، وكان قد تعود من الله إجابة دعائه. ألا ترى إلى قوله : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (٢)؟.
قيل : وذكر تعالى في كيفية دعائه ثلاث صيغ : أحدها : هذا ، والثاني : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) (٣) إلى آخره. والثالث : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٤) فدل على أن الدعاء تكرر منه ثلاث مرات بهذه الثلاث الصيغ ، ودل على أن بين الدعاء والإجابة زمانا. انتهى. ولا يدل على ذلك تكرير الدعاء ، كما قيل : لأنه حالة الحكاية قد يكون حكي في قوله (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) (٥) على سبيل الإيجاز ، وفي سورة مريم على سبيل الإسهاب ، وفي هذه السورة على سبيل التوسط.
وهذه الحكاية في هذه الصيغ إنما هي بالمعنى ، إذ لم يكن لسانهم عربيا ، ويدل على أنه دعاء واحد متعقب بالتبشير العطف بالفاء في قوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) وفي قوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) (٦) وظاهر قوله في مريم : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) (٧) اعتقاب التبشير الدعاء لا تأخره عنه.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٩.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٤.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٤.
(٥ ـ ٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٩.
(٦) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٠.
(٧) سورة مريم : ١٩ / ٧.