واحتلا بمليانة ، فحليا بعين منديل الكناني ، فقرّبهما واصطفاهما ، واتّخذهما لتعليم ولده محمّد. ثم هلك يوسف بن يعقوب سلطان المغرب ، بمكانه من حصار تلمسان ، سنة خمس وسبعمائة (١) على يد خصيّ من خصيانه ؛ طعنه فأشواه ، وهلك. وقام بالملك بعده حافده أبو ثابت ، بعد خطوب ذكرناها في أخبارهم ، (٢) ووقع بينه وبين صاحب تلمسان يومئذ أبي زيّان محمد بن عثمان بن يغمراسن ، وأخيه أبي حمّو ، العهد المتأكد على الإفراج عن تلمسان ، وردّ أعمالها عليهم ، فوفّى لهم بذلك ، وعاد إلى المغرب. وارتحل ابن أبي الطلاق ، والخيري ، والكناني من مليانة راجعين إلى المغرب ، ومرّوا بتلمسان ، ومع الكناني هذان الأخوان ، فأوصلهما إلى أبي حمّو ، وأثنى عليهما. وعرّفه بمقامهما في العلم ، فاغتبط بهما أبو حمّو ، واختطّ لهما المدرسة المعروفة بهما بتلمسان. (٣) وأقاما عنده على هدي أهل العلم وسننهم ؛ وهلك أبو حمّو ، فكانا كذلك مع ابنه أبي تاشفين إلى أن زحف السّلطان أبو الحسن (المريني (٤)) إلى تلمسان ، وملكها عنوة ، سنة سبع وثلاثين ، وكانت لهما شهرة في أقطار المغرب ، أثبتت لهما في نفس السّلطان عقيدة صالحة ، فاستدعاهما لحين دخوله ، وأدنى مجلسهما ، وأشاد بتكرمتهما ، ورفع محلهما على أهل طبقتهما. وصار يجمّل بهما مجلسه ، متى مرّ بتلمسان ، أو وفدا عليه في الأوقات التي يفد فيها أعيان بلدهما. ثم استنفرهما للغزو ، وحضرا معه واقعة طريف ، (٥) وعادا إلى
__________________
(١) في العبر ٧ / ٦٧ : «آخر سنة ست» ، وقد أشار ابن حجر ، في الدرر الكامنة ٤ / ٤٨٠ ، إلى هذا الخلاف ، واعتمد ـ نقلا عن الإحاطة ـ أنه قتل سنة ٨٠٦.
(٢) مر له ذكر ذلك في العبر ٧ / ٩٧ ، ٢٣٣ فارجع إليه.
(٣) يقول ابن خلدون : كانت هذه المدرسة بناحية «المطهر» من مدينة تلمسان (وفي البستان : «داخل باب كشوط») ، وابتنى لهما دارين على جانبيها ، وجعل لهما التدريس فيها ، في إيوانين معدين لذلك. العبر ٧ / ١٠٠ البستان ص ١٢٦.
(٤) الزيادة عن البستان حيث نقل نص ابن خلدون.
(٥) هي واقعة للسلطان أبي الحسن المريني بمدينة طريف بالأندلس ، كانت الدائرة فيها عليه ، ويذكرها المؤرخون المسلمون في كثير من الألم. انظر تفصيلها في العبر ٧ / ٢٦١ وما بعدها.