بنا مركب من مراكب ابن عثمان سلطان بلاد الرّوم ، وصل فيه رسول كان سفر إليه عن سلطان مصر ، ورجع بجواب رسالته ، فركبت معهم البحر إلى غزّة ، ونزلت بها ، وسافرت منها إلى مصر ، فوصلتها في شعبان من هذه السّنة ، وهي سنة ثلاث وثمانمائة ، وكان السّلطان صاحب مصر ، قد بعث من بابه سفيرا إلى الأمير تمر إجابة إلى الصلح الذي طلب منه ، فأعقبني إليه. فلما قضى رسالته رجع ، وكان وصوله بعد وصولي ، فبعث إليّ مع بعض أصحابه يقول لي : إن الأمير تمر قد بعث معي إليك ثمن البغلة التي ابتاع منك ، وهي هذه فخذها ، فإنّه عزم علينا من خلاص ذمّته من مالك هذا. فقلت لا أقبله إلا بعد إذن من السّلطان الذي بعثك إليه ، وأما دون ذلك فلا ، ومضيت إلى صاحب الدّولة فأخبرته الخبر فقال وما عليك؟ فقلت إن ذلك لا يجمل بي أن أفعله دون اطلاعكم عليه ، فأغضى عن ذلك ، وبعثوا إليّ بذلك المبلغ بعد مدّة ، واعتذر الحامل عن نقصه بأنه أعطيه كذلك ، وحمدت الله على الخلاص.
وكتبت حينئذ كتابا إلى صاحب المغرب ، عرّفته بما دار بيني وبين سلطان الطّطر تمر ، وكيف كانت واقعته معنا بالشّام ، وضمّنت ذلك في فصل من الكتاب نصّه :
زوإن تفضّلتم بالسؤال عن حال المملوك ، فهي بخير والحمد لله ، وكنت في العام الفارط توجّهت صحبة الرّكاب السّلطاني إلى الشام عندما زحف الطّطر إليه من بلاد الروم ، والعراق ، مع ملكهم تمر ، واستولى على حلب ، وحماة ، وحمص ، وبعلبكّ ، وخرّبها جميعا ، وعاثت عساكره فيها بما لم يسمع أشنع منه. ونهض السّلطان في عساكره لاستنقاذها ، وسبق إلى دمشق ، وأقام في مقابلته نحوا من شهر ، ثم قفل راجعا إلى مصر ، وتخلّف الكثير من أمرائه وقضاته ، وكنت في المخلّفين. وسمعت أن سلطانهم تمر سأل عنّي ، فلم يسع إلّا لقاؤه ، فخرجت إليه من دمشق ، وحضرت مجلسه ، وقابلني بخير ، واقتضيت منه الأمان لأهل دمشق ، وأقمت عنده خمسا وثلاثين يوما ، أباكره وأراوحه. ثمّ صرفني ، وودّعني على أحسن حال ، ورجعت إلى مصر. وكان طلب منّي بغلة كنت أركبها فأعطيته إياها ، وسألني البيع فتأفّفت منه ، لما كان يعامل به من الجميل ، فبعد انصرافي إلى مصر بعث إليّ بثمنها مع رسول كان من جهة السّلطان هنالك ، وحمدت الله تعالى على الخلاص من ورطات الدنيا.