فلقد أخذن على جفونك موثقا |
|
أن لا يرين مع البعاد شحاحا |
إيه عن الحيّ الجميع وربّما |
|
طرب الفؤاد لذكرهم فارتاحا |
ومنازل للظّاعنين استعجمت |
|
حزنا وكانت بالسّرور فصاحا |
وهي طويلة ، ولم يبق في حفظي منها إلا هذا.
وبينما نحن في ذلك ، بلغ الخبر بأن السّلطان عبد العزيز (١) صاحب المغرب الأقصى من بني مرين ، قد استولى على جبل عامر بن محمد الهنتاتي بمراكش ، وكان آخذا بمخنّقه (٢) منذ حول ، وساقه إلى فاس فقتله بالعذاب ، وأنه عازم على النهوض إلى تلمسان ، لما سلف من السّلطان أبي حمّو أثناء حصار السّلطان عبد العزيز لعامر في جبله ، من الإجلاب على ثغور المغرب ، ولحين وصول هذا الخبر ؛ أضرب السّلطان أبو حمّو عن ذلك الشأن الذي كان فيه ، وكرّ راجعا إلى تلمسان. وأخذ في أسباب الخروج إلى الصحراء ، مع شيعة بني عامر من أحياء زغبة ، فاستألف ، وجمع ، وشدّ الرّحال ، وقضى عيد الأضحى ، وطلبت منه الإذن في الانصراف إلى الأندلس ، لتعذّر الوجهة إلى بلاد رياح ، وقد أظلم الجوّ بالفتنة ، وانقطعت السّبل ، فأذن لي ، وحمّلني رسالة فيما بينه وبين السّلطان ابن الأحمر. وانصرفت إلى المرسى بهنين ؛ وجاءه الخبر بنزول صاحب لمغرب تازا في عساكره ، فأجفل بعده من تلمسان ، ذاهبا إلى الصحراء عن طريق البطحاء. وتعذّر عليّ ركوب البحر من هنين فأقصرت ، وتأدّى الخبر إلى السّلطان عبد العزيز بأنّي مقيم بهنين ، وأن معي وديعة احتملتها إلى صاحب بالأندلس ، تخيّل ذلك بعض الغواة ، فكتب
__________________
(١) هو أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس بن أبي سالم المريني ولي سنة ٧٩٦ بعد وفاة أبيه أبي سالم ، وتوفي سنة ٧٩٩. انظر الاستقصا ٢ / ٨٤١ وما بعدها.
(٢) المخنق : موضع الخنق من العنق.