واستدعاني لحجابته وعلامته ، وكتب بخطّه مدرجة في الكتاب نصّها :
الحمد لله على ما أنعم ، والشكر لله على ما وهب ، ليعلم الفقيه المكرّم أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون ، حفظه الله ، على أنّك تصل إلى مقامنا الكريم ، لما اختصصناكم به من الرتبة المنيعة ، والمنزلة الرفيعة ، وهو قلم خلافتنا ، والانتظام في سلك أوليائنا ، أعلمناكم بذلك. وكتب بخطّ يده عبد الله ، المتوكل على الله ، موسى بن يوسف لطف الله به وخار له.
وبعده بخطّ الكاتب ما نصّه : بتاريخ السابع عشر من رجب الفرد الذي من عام تسعة وستّين وسبعمائة عرّفنا الله خيره.
ونصّ الكتاب الذي هذه مدرجته ، وهو بخطّ الكاتب : «أكرمكم الله يا فقيه أبا زيد ، ووالى رعايتكم. إنّا قد ثبت عندنا ، وصحّ لدينا ما انطويتم عليه من المحبّة في مقامنا ، والانقطاع إلى جنابنا ، والتشيّع قديما وحديثا لنا ، مع ما نعلمه من محاسن اشتملت عليها أوصافكم ، ومعارف فقتم فيها نظراءكم ، ورسوخ قدم في الفنون العلمية والآداب العربية.
وكانت خطّة الحجابة ببابنا العليّ ـ أسماه الله ـ أكبر درجات أمثالكم ، وأرفع الخطط لنظرائكم ، قربا منّا ، واختصاصا بمقامنا ، واطّلاعا على خفايا أسرارنا. آثرناكم بها إيثارا ، وقدّمناكم لها اصطفاء واختيارا ، فاعملوا على الوصول إلى بابنا العليّ ، أسماه الله ، لما لكم فيه من التّنويه ، والقدر النّبيه ، حاجبا لعليّ بابنا ، ومستودعا لأسرارنا ، وصاحب الكريمة علامتنا ، إلى ما يشاكل ذلك من الإنعام العميم ، والخير الجسيم ، والاعتناء والتكريم. لا يشارككم مشارك في ذلك ولا يزاحمكم أحد ، وإن وجد من أمثالك فأعلموه ، وعوّلوا عليه ، والله تعالى يتولاكم ، ويصل سرّاءكم ، ويوالي احتفاءكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وتأدّت إليّ هذه الكتب السّلطانية على يد سفير من وزرائه ، جاء إلى أشياخ الذّواودة في هذا الغرض ، فقمت له في ذلك أحسن مقام ، وشايعته أحسن مشايعة ، وحملتهم على إجابة داعي السّلطان ، والبدار إلى خدمته. وانحرف كبراؤهم عن خدمة السّلطان أبي العبّاس إلى خدمته ، والاعتمال في مذاهبه ، واستقام غرضه من ذلك ؛ وكان أخي يحيى قد خلص من اعتقاله ببونة ، وقدم عليّ ببسكرة ، فبعثته إلى