فهزمهم ، وأثخن فيهم. ونهض السّلطان إليه من فاس ، سنة ثمان وخمسين ، فتبرأ منه أهل البلد وأسلموه ، فبعثه إلى سبتة في البحر ، واعتقله بها ، حتى إذا ملك السّلطان أبو سالم سبتة عند إجازته من الأندلس سنة ستّين ، أطلقه من الاعتقال ، وصحبه إلى دار ملكه ، ووعده بردّ بلده عليه.
فلما ولّى أبا زيّان على تلمسان ، أشار عليه خاصّته ونصحاؤه ، بأن يبعث هؤلاء الموحدين إلى ثغورهم : فبعث أبا عبد الله إلى بجاية ، وقد كان ملكها عمّه أبو إسحق صاحب تونس ، ومكفول بن تافراكين من يد بني مرين ، وبعث أبا العبّاس إلى قسنطينة ، وبها زعيم من زعماء بني مرين. وكتب إليه السّلطان أبو سالم أن يفرج له عنها ، فملكها لوقته. وسار الأمير أبو عبد الله إلى بجاية ، فطال إجلابه عليها ، ومعاودته حصارها. ولجّ (١) أهلها في الامتناع منه مع السّلطان أبي إسحق. وقد كان لي المقام المحمود في بعث هؤلاء الأمراء إلى بلادهم. وتولّيت كبر (٢) ذلك مع خاصّة السّلطان أبي سالم وكبار أهل مجلسه ، حتى تمّ القصد من ذلك. وكتب لي الأمير أبو عبد الله بخطّه عهدا بولاية الحجابة متى حصل على سلطانه ، ومعنى الحجابة ـ في دولنا بالمغرب ـ الاستقلال بالدولة ، والوساطة بين السّلطان وبين أهل دولته ، لا يشاركه في ذلك أحد. وكان لي أخ اسمه يحيى (٣) أصغر مني ، فبعثته مع الأمير أبي عبد الله حافظا للرّسم ، ورجعت مع السّلطان إلى فاس. ثم كان ما قدّمته من انصرافي إلى الأندلس والمقام بها ، إلى أن تنكّر الوزير ابن الخطيب ، وأظلم الجوّ بيني وبينه.
وبينا نحن في ذلك ، وصل الخبر باستيلاء الأمير أبي عبد الله على بجاية من يد عمّه ، في رمضان (سنة) (٤) خمس وستين ، وكتب الأمير أبو عبد الله يستقدمني ،
__________________
(١) لجّ : تمادى في الخصومة.
(٢) الكبر : معظم الشيء ، والشرف.
(٣) قتل يحيى بن خلدون هذا في سنة ٧٨٠ ، بأمر أبي تاشفين بن أبي زيان ؛ وكان مؤرخا ، وأديبا ؛ ويأتي في كلام ابن الخطيب ثناء على كتابته الأدبية. له كتاب «بغية الرواد ، في أخبار بني عبد الواد». وانظر خبر مقتله في العبر ٧ / ١٤٠.
(٤) الزيادة عن ط.