دمه ، [قال : وندم ، فاحتمله ، قال : ولعن الله تلك البقعة التي ابتلعت دمه](١) وأوحى الله عزوجل إليها : إنّك ابتلعت دم نبيّ ، أنت ملعونة قال : فمن ثمّ لا تنشف الأرض اليوم (٢) دما ، قال : وتحوّلت تلك البقعة سباخا وما يليها من عروقها في جميع الأرضين ، وقال بعضهم : حمله ثلاثة أيام ، وقال بعضهم ثمانين يوما ، والله أعلم أي ذلك كان (٣).
قال : ثم رماه مخافة أن يتغير قال : فبعث الله عزوجل غرابين فوقع أحدهما على جيفة ليأكل منها ، وجاء الآخر يحول بينه وبين أكله ، فأقبلا يقتتلان فقتل المانع الآكل ، فلما قتله بحث الأرض برجليه ، ثم جرّه بمنقاره فألقاه في الحفرة وحثا (٤) عليه التراب ، فقال عند ذلك قابين : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٥) فحثا (٦) عليه التراب ودفنه فكان أول قتيل استشهد في الدنيا ، وأول دم أهريق ظلما على وجه الأرض.
قال : فأتاه نداء من السماء : يا قابين ما فعل أخوك؟ قال : لا أدري أرقيبا كنت عليه قال : قتلته لعنك الله ، قال : فهرب من الصوت ، فاختلط بالوحش ، وكانت الوحش إذ ذاك مستأنسة بابن آدم ، فألقى الله عزوجل عليه الجوع فكان يأخذ الظبية والوعلة فيشدخ رأسها ويأكلها ، فمن ثمّ حرّمت الموقوذة ، فنفرت الوحوش يومئذ واستوحشت من ابن آدم.
قال : فبعث الله عزوجل ملكا فأخذه فضمّ رجله اليمنى إلى اليته اليسرى ورجله اليسرى إلى اليته اليمنى ثم علّقه في عين الشمس ، وأحاط عليه سبع حظائر من حظائر النار ، فإذا كان أيام الصيف كان من أشدّ الناس حرّا ، وإذا كان أيام الشتاء كان من أشد الناس زمهريرا ، فعذّبه الله بذلك ثمانين سنة ثم ألقاه الله عزوجل إلى الأرض وعليه تلك الحظائر وأوحى الله إلى الأرض أن انخسفي به ، قال : فأخذته الأرض إلى كعبيه ، فقال : يا ربّ ، قل للأرض أن لا تعجل ، فقال : لا تعجلي ، فقال : يا ربّ ، ارحمني ، قال : إنّما أرحم كل رحيم ، خذيه ، قال : فأخذته إلى ركبتيه ، قال : يا ربّ قل للأرض لا تعجلي ، فقال : يا ربّ تنزع اسما من
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م ، وز.
(٢) فوقها ضبة في «ز».
(٣) وفي تفسير القرطبي أنه حمله مائة سنة ، وقيل حتى أروح وقيل : حمله على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة. راجع البداية والنهاية ١ / ١٠٥.
(٤) في «ز» : وحتى.
(٥) سورة المائدة ، الآية : ٣١.
(٦) في «ز» : فحثى.