الباي مصطفى العجمي وحروبه
مع الدرقاوي
ثم مصطفى بن عبد الله العجمي تولى مرة ثانية ، بعد المرة الأولى الماضية ، في آخر السنة الثانية والعشرين والمائتين والألف (١) ، من هجرة من له العز والفخر والشرف وكمال الوصف ، وبقي في الملك تسعة أشهر. وارتقى خزناجيا بالجزائر. وجاء بموضعه الباي الفائز بالمزائر. ولما تولى قام وعليه ابن الشريف الدرقاوي ، فقال يا عجبا منه كيف سلّط عليّ بالثوران الداوي ، مهمى تولّيت إلّا عليّ يقوم ، قد عرف اسمي واعتقد أني جبان وأني لعكروم ، فو الله لأذوقنّه (كذا) كأس الرّدا ولأجعلن شمله مبدّدا ، وقد قام عليه الدرقاوي في (ص ٢٧١) التولية الثانية / مرتين ، وكر عليه للمقاتلة كرتين. ولما سمع بالدرقاوي أنه قد جيّش الجيوش ، وهو بالثعالبة من بلاد فليتة ، قال سأخرج له ورأيه الفشوش ، فعند ذلك خرج في جيشه العزيز ، الذي هو كاللجين والعسجد الأبريز ، وتلاقى معه بالثعالب ، فكان الدرقاوي مغلوبا والباي هو الغالب وقدمه عالية بالمغالب ، فهزمه هزيمة شنيعة ، وعادت جيوشه للباي من وقتها مطيعة ، ورجع لوهران في عزّ وسرور ، بغنيمة وحبور ، فاستراح بها وأقام ، فبينما هو بها إذ جاءه الخبر في بعض الأيام ، أن الدرقاوي بجيوشه في مدغوسة من بلد خلافة ، فخرج له فورا بجيوشه من غير جزع ولا مخافة ، وجدّ السير نحوه وكاده كيدا وترك المسير نحوه رويدا رويدا ، إلى أن وصل للمحل المذكور ، وحمل عليه حملة منكرة بجيشه المنصور ، فلم يك (كذا) غير ساعة إلا والدرقاوي مهزوما ومخذولا مفلولا مذموما ، وقتل المخزن من أتباعه كثيرا وأفنا (كذا) منهم جما (كذا) غفيرا ، وغنم الأموال العظيمة فرجع الباي لوهران مسرورا بتلك الغنيمة ، فمكث بها أياما كثيرة ، وانقطع عنه خبر الدرقاوي مدة شهيرة.
ثم سمع بأن مجاهرا قد سعوا في الفساد ، وحملوا أنفسهم على اتباع الدرقاوي وراموا العناد ، فخرج لهم بجيشه الأفخم حاركا ، وللمقام بوهران من ساعته تاركا ، ونزل بوادي الخير أحد أودية شلف ، فبينما هو به إذ جاء الخبر بأن
__________________
(١) الموافق فيفري ١٨٠٨ م.