والشكر مجددة ، لما جئنا نحن بعد سبعمئة وثمان وثمانين سنة نجدّدها وننوّه بها ، ونجعلها منارا للمهتدين ، وقدوة للمقتدين ، ولا شكّ أنّ التاريخ إنما يشرف ويكرم بتراجم رجال كهؤلاء ، جعلوا أنفسهم مصداق الحديث الشريف «الخلق كلّهم عيال الله فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله» (١).
فتأمّل في هذا الرجل ، وما أجراه من الخيرات العامة ، وما برّد من حّر ، وما أغنى من فقر ، وما آوى من قفر ، وما آمن من خوف ، وما قوّى من ضعف.
وتبصّر فيما شاده من الفنادق في الطرقات ، وما بناه من المنازل في الفلوات ، وما حبس على هذه المؤسسات الخيرية من الأوقاف الدارّة ، إلى غير ذلك من المآثر التي يتحلّى بها تاريخ الإسلام ، وتطيب بقراءتها الأنفس ، وترتفع الأرؤس.
وقابل هذا الصبر على الخير ، وهذا الجلد في الإنسانية ، وهذا الثبات في الفعل الجميل بما تعرفه من غيره ، ممن هم ـ ويا للأسف ـ أكثر عددا في ولاة الأمور وأعزّ نفرا ، وذلك في صرفهم أموال المسلمين إلى جيوبهم ، وإنفاقهم ريع أوقافهم وغلة رباعهم على شهوات أنفسهم ، وفي إعراضهم عن المصالح العامة إلى المنافع الخاصة ، بل المنافع الخاصة الخسيسة ، والمطامع الشخصية الدنيئة ، ولهوهم بسفساف الأمور عن معاليها ، وخيانتهم الأمة في أماناتها التي حملوها بالأجرة ، وتراهم لا تهتزّ لهم أريحية إلى ميرة ، ولا تسمو لهم همّة إلى عمل شريف ، ولا إذا تداعى جدار جدّدوا بناءه ، ولا إذا توعّرت طريق أزالوا حرشتها (٢) ، ولا إذا جفّت عين أسالوا غيرها ، ولا إذا تشعّثت قناة بادروا
__________________
(١) رواه أبو يعلى والبزّار من حديث أنس ، والطبراني من حديث ابن مسعود.
[وهو حديث ضعيف جدا كما قال في «ضعيف الجامع» رقم (٢٩٤٥)].
(٢) [الحرشة : الوعورة].