وبنى سور مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وما كان خرب من مسجده ، وكان يحمل في كلّ سنة إلى مكة شرّفها الله تعالى والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام من الأموال والكسوات للفقراء والمنقطعين ، ما يقوم بهم مدة سنة كاملة.
كان له ديوان مرتّب باسم أرباب الرسوم والقصّاد لا غير ، ولقد تنوع في فعل الخير حتى جاء في زمنه بالموصل غلاء مفرط ، فواسى الناس حتّى لم يبق شيئا.
وكان إقطاعه عشر مغلّ البلاد ، على جاري عادة وزراء الدولة السلجوقية ، إلى أن قال عن وفاته : توفي في العشر الأخير من شهر رمضان المعظم ـ وقيل من شعبان ـ سنة تسع وخمسين وخمسمئة ، وصلّي عليه ، وكان يوما مشهودا من ضجيج الضعفاء والأرامل والأيتام حول جنازته ، ودفن بالموصل إلى بعض سنة ستين ، ثم نقل إلى مكة حرسها الله تعالى ، وطيف به حول الكعبة ، وكان بعد أن صعدوا به ليلة الوقفة إلى جبل عرفات ، وكانوا يطوفون به كلّ يوم مرارا مدّة مقامهم بمكة شرّفها الله تعالى ، وكان يوم دخوله مكة يوما مشهودا من اجتماع الخلق والبكاء عليه ، وقيل : إنه لم يعهد عندهم مثل ذلك اليوم ، وكان معه شخص مرتّب ، يذكر محاسنه ، ويعدّد مآثره إلى أن قال ـ ثم حمل إلى مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ودفن فيها بالبقيع ، بعد أن أدخل المدينة ، وطيف به حول حجرة الرسول صلىاللهعليهوسلم مرارا ، وأنشد الشخص الذي كان مرتبا معه (١) :
__________________
درج [مصاطب] بعضه فوق بعض ، كما يرى من وقوف الناس عليه طبقة فوق طبقة ، وهذا الدرج هو الذي كان يسمّى إلا لا ـ بكسر الهمزة ، وحكي فتحها.
(١) [البيتان من قصيدة للقاضي أبي يعلى حمزة بن عبد الرزاق بن أبي حصين يرثي بها مخلص الدولة مقلد بن نصر بن منقذ الكناني ، وهي من فائق الشعر ، وقد ذكرها ابن خلكان بتمامها في «الوفيات» (٥ : ٢٧٠ ـ ٢٧٣)].