ولم أصادف عنبا أشهى ولا أكبر حبا من عنب وادي محرم ، ومن هذا الوادي يصعد الإنسان إلى الهدة ، مرتقيا العقبة المسماة الكرا الصغير ، وخمنت علوّها بثلاثمئة متر ، ومرتقاها صعب.
وقد كان الواجب على الحكومة وعلى أهالي القرى الكثيرة المجاورة ولا سيما وادي محرم أن يصلحوا هذا المرتقى ، الذي يترجّل فيه كلّ الركبان من وسط العقبة ، وإذا وصل الإنسان إلى سطح الجبل ، وجد يفاعا منبسطا ، ينشرح له الصدر ، وشاهد جنانا ناضرة تشرب بالسواني أيضا ، يقال لها : بستان المغربي ، وبستان البّني ، وغيرهما.
ولقد بتنا ليلتين بوادي محرم ، وليلة واحدة في بستان المغربي ضيوفا على صاحب البستان ، وهو مغربي تونسي الأصل ، أبوه جاء إلى هذا المكان ، وتمكن به.
وهناك جبل عال جدا ربما يعلو (٢٥٠) مترا عن البساتين ، يقال له : جبل الهندي ، وهو ناتئ من الأرض صعدا أشبه بالمئذنة ، وكان في إحدى ذراه حصن بقيت فيه مدافع وجنود إلى آخر أيام الملك حسين ، وقد طلعنا هذا الجبل إلى قنته ، فظهر لنا جانب كبير من الحجاز ، وبدت لنا خضرة ونضرة وأودية لا يأخذها الإحصاء ، وكان منظرا يبهر العقول.
وبإزاء هذا الجبل جبل آخر أقلّ منه ارتفاعا ، اسمه جبل الكمل بحذائه قرية ، بل قرى وبساتين ، تسقيها النواضح ، ومن الكمل إلى قرية الهدة مسيرة نصف ساعة لا غير ، والهدة قرية من أشهر قرى الحجاز ، تعلو (١٧٦٠) مترا عن سطح البحر ، وفيها جنان ومنازه ، وبعض مصايف لأهل مكة ، ولها منظر على وادي نعمان لا مثيل له في بلاد العرب ، لأنّ الناظر يشرف منها على شفير الوادي المسمى الكرا الكبير ذي العقبة الشهيرة ، التي تأخذ ثلاث ساعات على الصاعد ، وهي من الوقوف في مثل الحائط ، وإذا أشرف الرائي على حافة هذا الشفير لم