وقال ابن موسى : الوهط قرية بالطائف ، هي على ثلاثة أميال من وجّ ، كانت لعمرو بن العاص.
قلت : لما فتح عمرو بن العاص رضياللهعنه مصر ، ثم غزا منها طرابلس ، مرّ بالجبل الأخضر ، الذي يندر نظيره في الخصب والإمراع وخضرة البقاع ، فقال : لو لا أموالي بالحجاز ما اخترت على هذه الأرض ، فكنت إذا قرأت هذا الكلام ولم أكن عرفت جبال الطائف أتعجّب منه ، قائلا : ماذا عسى أن يكون لسيدنا عمرو من الأموال في قطر ناشف كالحجاز؟
ولما ذهبت في جهاد طرابلس الغرب إلى الجبل الأخضر (١) ، وأقمت به أشهرا ، وعرفت عين منصور ، وعين ماره ، والقيقب ، وشحات ـ محل سيرنا القديمة ـ والمرج وغيرها ، وسرت بين فينان الدوح ومشتبك الشجر ، الذي لا يتخلّله نور الشمس في كثير من المواضع مسافة عشرة أيام ، ورأيت تلك المناظر المشرفة من شاهق على البحر ، لا يحاكي فسحة منظرها إلا عاليه ، وعبيّة ، وبيت مرّي ، وبرمانة ، وما في خطها من جبل لبنان ـ قلت لنفسي لما عرفت ما الجبل الأخضر ، وما هو من طيب النّجعة : علمت معنى افتتان عمرو بن العاص بالجبل الأحضر ، لكني لم أعلم وجه مقايسته له بالحجاز ، وعدم رغبته عن أمواله في الحجاز إلى ذلك الجبل المنقطع النظير في الخضرة والنضرة ، إلا أنّي لما شاهدت جبال الطائف ، وأقمت بها أيضا عدة أشهر ـ علمت أن لعمرو بن العاص وجها للقول ، وحقا في التيه بأمواله في الحجاز ، فإنّ في جبال الطائف جنانا مدّت عليها الخضرة رواقها ، ورياضا شدت بها النضرة نطاقها.
فأما الوهط فقد انحط كثيرا عن درجته السابقة ، ورتبته السامقة ،
__________________
(١) عام (١٣١٠ ـ ١٩١٢).