محارب فقال عمر : ما أقدمكم؟ قالوا : الجهد ، قال : وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويا كانوا يأكلونه ورمّة العظام مسحوقة كانوا يسقونها فرأيت عمر طرح زاده (١) ثم اتزر ، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا ، وأرسلوا أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة ، ثم كساهم وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
قال (٢) : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال :
لما كان عام الرّمادة تجلّبت (٣) العرب من كل ناحية فقدموا المدينة فكان عمر بن الخطاب قد أمر رجالا يقومون عليهم ، ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم ، فكان يزيد ابن أخت النمر ، وكان المسور بن مخرمة ، وكان عبد الرّحمن بن عبد القاري ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر فيخبرونه بكلّ ما كانوا فيه ، وكان كلّ رجل منهم على ناحية من المدينة ، وكان الأعراب حلولا فيما بين رأس الثنية إلى راتج (٤) إلى بني حارثة إلى بني عبد الأشهل إلى البقيع إلى بني قريظة ، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة هم محدقون بالمدينة ، فسمعت عمر يقول ليلة وقد تعشّى الناس عنده : احصوا من يتعشى عندنا ، فأحصوهم من القابلة فوجدهم سبعة آلاف رجل ، وقال : أحصوا العيالات الذين لا يأتون ، والمرضى والصبيان ، فأحصوا فوجدوهم أربعين ألفا.
ثم مكثنا ليالي فزاد الناس فأمر بهم ، فأحصوا فوجدوا من ـ يعني ـ يتعشى عنده عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفا ، فما برحوا حتى أرسل الله السماء ، فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكلّ كلّ قوم من هؤلاء النفر بناحيتهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوة وحملانا إلى باديتهم ، ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه.
قال أسلم : وقد كان وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث ، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمّال في السحر ، يعملون الكركور حتى يصبحوا ، ثم يطعمون المرضى منهم ، ويعملون العصائد (٥) وكان عمر يأمر بالزيت فيفار في القدور الكبار على النار حتى يذهب
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي م و «ز» وابن سعد : رداءه.
(٢) القائل : ابن سعد ، والخبر في الطبقات الكبرى ٣ / ٣١٦.
(٣) بالأصل و «ز» ، وم : تحلبت ، والمثبت عن ابن سعد.
(٤) راتج : أطم من آطام المدينة لليهود (راجع معجم البلدان).
(٥) بالأصل وم : الصائد ، والتصويب عن «ز» وابن سعد. والعصائد واحدتها عصيدة.