إلى الملك أبرويز فكان لا يبول ولا يروث مادام عليه سرجه ولجامه ، ولا ينخر ولا يزبد ، وكانت استدارة حافره ستّة أشبار. واتفق أنّ شبديز اشتكى وزادت شكواه وعرف أبرويز ذلك وقال : لئن أخبرني أحد بموته لأقتلنّه ، فلمّا مات شبديز خاف صاحب خيله أن يسأله عنه فلا يجد بدّا من إخباره بموته فجاء إلى بهلبند مغنّيه ولم يكن فيما تقدّم من الأزمان ولا ما تأخّر من الأزمان أحذق منه بالضرب بالعود والغناء.
قالوا : كان لأبرويز ثلاث خصائص لم تكن لأحد من قبله : فرسه شبديز ، وسريّته شيرين ، ومغنّيه بهلبند.
وقال : اعلم أنّ شبديز قد نفق وقد عرفت ما أوعد به الملك من أخبر بموته فاحتل لي حيلة ولك كذا وكذا ، فوعده الحيلة ، فلمّا حضر بين يدي الملك غنّاه غناء وورى فيه عن القصّة إلى أن فطن الملك وقال له : ويحك! مات شبديز؟ فقال : الملك يقوله؟ فقال له : زه! ما أحسن ما تخلّصت وخلّصت غيرك ، وجزع عليه جزعا عظيما فأمر قنطوس ابن سنمار بتصويره ، فصوّره على أحسن وأتمّ تمثال حتّى لا يكاد يفرق بينهما إلّا بإدارة الروح في جسدهما ، وجاء الملك ورآه فاستعبر باكيا عند تأمّله إيّاه.
إلى أن قال : ومن عجائب هذا التمثال أنّه لم ير مثل صورته صورة ، ولم يقف عليه أحد منذ صوّر من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق صورته وعجب منها حتّى لقد سمعت كثيرا من هذا الصنف يحلفون أو يقاربون اليمين أنّها ليست من صنعة العباد. قال : وسمعت بعض فقهاء المعتزلة يقول : لو أنّ رجلا خرج من فرغانة القصوى وآخر من سوس الأبعد قاصدين النظر إلى صورة شبديز ما عنفا على ذلك.
قال : وأنت إذا فكّرت في أمر صورة شبديز وجدتها كما ذكر هذا المعتزلي وإن كان من صنعة الآدميّين فقد أعطى هذا المصوّر ما لم يعط أحد من العالمين. فأيّ