الجانب الشرقي من دجلة وهو جانب سرّ من رأى ، عقد جسرا إلى الجانب الغربي من دجلة فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنّة وحفر الأنهار ومن دجلة وصيّر إلى كلّ قائد عمارة ناحية من النواحي ، وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر السواد ، وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل والري وخراسان وسائر البلدان ، فكثرت المياه في هذه العمارة في الجانب الشرقي بسرّ من رأى ، وصلح النخل ، وثبتت الأشجار ، وزكت الثمار ، وحسنت الفواكه ، وحسن الريحان والبقل ، وزرع الناس أصناف الزرع والرياحين والبقول والرطاب ، وكانت الأرض مستريحة ألوف سنين فزكا كلّ ما غرس فيها وزرع بها حتّى بلغت غلّة العمارات بالنهر المعروف بالإسحاقي وما عليه والأيتاخي والعمري والعبد الملكي ودالية بن حماد والمسروري وسيف والعربات المحدثة وهي خمس قرى ، والقرى السفلى وهي سبع قرى ، والأجنّة والبساتين وخراج الزرع أربعمائة ألف دينار في السنة.
وأقدم المعتصم من كلّ بلد من يعمل عملا من الأعمال أو يعالج مهنة من مهن العمارة والزرع والنخل والغرس وهندسة الماء ووزنه واستنباطه والعلم بمواضعه من الأرض ، وحمل من مصر من يعمل القراطيس وغيرها ، وحمل من البصرة من يعمل الزجاج والخزف والحصر ، وحمل من الكوفة من يعمل الأدهان ، ومن سائر البلدان من أهل كلّ مهنة وصناعة ، وأنزلوا بعيالهم بهذه المواضع وأقطعوا فيها ، وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة.
وبنى المعتصم العمارات قصورا ، وصيّر في كلّ بستان قصرا فيه مجالس وبرك وميادين ، فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون بها لهم أدنى أرض ، وتنافسوا في ذلك ، وبلغ الجريب من الأرض مالا كبيرا. ثمّ مات المعتصم سنة ٢٢٧.
قال المسعودي في مروج الذهب : لمّا ارتفع البنيان وأحضر له الفعلة والصنّاع