وقال الأنماطي : إنّ المتوكّل كان طلب من محمود الورّاق جارية مغنّية فأعطاه بها عشرة آلاف وقال لها : كنّا أعطينا مولاك بك عشرة آلاف وقد اشتريناك من ميراثه بخمسة آلاف. قالت : يا أمير المؤمنين ، إذا كانت الخلفاء تتربّص بلذّاتها المواريث فستشترى بأرخص ممّا اشتريت.
قال في مروج الذهب : إنّ المتوكّل قال لأبي العنبس : أخبرني عن حمارك ووفاته وما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، حماري كان أعقل من القضاة ولم يكن له زلّة ولا عيب فاعتلّ على غفلة فمات منها فرأيته فيما يرى النائم ، فقلت له : يا حماري ، ألم أبرد لك الماء وأنق لك الشعير وأحسن إليك جهدي ، فلم متّ على غفلة؟ قال : نعم ، كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلّمه في كذا وكذا مرّت بي أتان حسناء فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي فعشقتها واشتدّ وجدي بها فمتّ كمدا متأسّفا. فقلت له : يا حماري ، فهل قلت في ذلك شعرا؟ قال : نعم ، فأنشدني :
هام قلبي بأتان |
|
عند باب الصيدلاني |
يتّمتني يوم (١) رحنا |
|
بثناياها الحسان |
وبخدّين أسيلين |
|
كلون الشّنقراني |
فبها متّ ولو عشت |
|
إذا طال هواني |
قال : فقلت : يا حماري ، فما الشنقراني؟ فقال : هذا من غريب الحمير.
فطرب المتوكّل وأمر الملهين والمغنّين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار ، وفرح في ذلك اليوم فرحا وسرورا لم ير مثله. وزاد في تكرمة أبي العنبس وجائزته.
قال المسعودي : ولم يكن المتوكّل ممّن يوصف في عطائه وبذله بالجود ولا تبرّكه
__________________
(١) بدلال. مروج الذهب ج ٥ ص ١١.