أيها الناس ، إنّما هلك من هلك ممن كان قبلكم بركوبهم المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار ، أنزل الله بهم العقوبات ، ألا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم الذي نزل بهم ، واعلموا أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرّب أجلا. إن الأمر ينزل من السماء كقطر (١) المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان في أهل أو مال أو نفس ، فإذا أصاب أحدكم النقصان في أهل أو مال أو نفس في الآخرة عقوبة ، فلا يكونن ذلك له فتنة ، فإنّ المرء المسلم ما لم يعش (٢) دناه يظهر تخشعا لها إذا ذكرت ويغري بها [لئام الناس كان كالياسر](٣) الفالج (٤) الذي ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم ، وتدفع عنه المغرم ، وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة إنما ينتظر إحدى الحسنيين : [إما داعي الله](٥) فما عند الله خير له ، فأما ما (٦) رزق من الله فإذا هو ذو أهل ومال. المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام.
أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد بن عبد الله ، أنا عاصم بن الحسن بن محمّد ، أنا محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق ، أنا علي بن الفرج بن علي بن أبي روح ، نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا سفيان بن عيينة ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر قال :
قال علي : إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر ، لكلّ نفس ما كتب (٧) الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال فمن رأى نقصا في أهله أو نفسه أو ماله ورأى لغيره عثرة (٨) ولا يكونن ذلك له فتنة فإنّ المسلم ما لم يعش دناه (٩) يظهر تخشعا لها إذا ذكرت ، [و] يغرى به لئام الناس كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه ويوجب له المغنم ، ويدفع عنه المغرم ،
__________________
(١) في نهج البلاغة : كقطرات المطر.
(٢) كذا بالأصل : «يعش دناه» ومثلها في البداية والنهاية ، وفي نهج البلاغة والمختصر : لم يغش دناءة.
(٣) ما بين معكوفتين مكانه بالأصل «بالناس» والمثبت والزيادة المستدركة لتقويم العبارة عن المختصر ، وفي البداية والنهاية : ويغرى بها لئام الناس ، كالبائس العالم.
(٤) الياسر : المقامر ، والفالج : الفائز.
(٥) الزيادة للإيضاح عن نهج البلاغة ، وفي البداية والنهاية والمختصر : «إذا ما دعا».
(٦) كذا بالأصل : «فأما ما رزق من الله» وفي نهج البلاغة : «وإما رزق الله» وفي المختصر والبداية والنهاية : وإما أن يرزقه الله.
(٧) في نهج البلاغة : إلى كل نفس بما قسم لها.
(٨) كذا بالأصل. وفي نهج البلاغة : فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس فلا تكونن له فتنة.
(٩) كذا بالأصل : «يعش دناه» ومثلها في البداية والنهاية ، وفي نهج البلاغة والمختصر : لم يغش دناءة.