انضمّت ، وإن كانوا أهلها أقبلت عليهم فأحرقتهم ، فلمّا توجه الفتية نحوها انفرقت فرقتين ، فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها ، وسفعت وجوههم فرجعوا هاربين ، قال لهم تبّع : لأدخلنها ، أنتم دعوتمونا إلى هذا ، قال : فأكرههم على أن دخلوها ، ثم مشوا حتى خرجوا منها ، فانضمّت.
قال : فاختار تبّع عدّة الفتية من قومه ، فقال : ادخلوها ، قال : فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها وسفعت وجوههم ورجعوا هاربين ، قال : فقال لهم تبّع : بئس الرجل أنا إن كنت حملت الفتية على النار ثم لا أحملكم عليها ، ارجعوا فادخلوها ، قال : فرجعوا فدخلوها ، فلما توسطوها أحاطت بهم فأحرقتهم ، قال : فأسلم تبّع ، وكان رجلا صالحا ، فذكره الله ولم يذمه وذمّ قومه.
وأمّا الهدهد فكان بمكان من سليمان لم يكن شيء من الطير عنده بمنزلته ، فنزل سليمان مفازة ، فسأل كم بعد مسافة الماء؟ فقال الناس : ما ندري ، فسأل الشياطين فقالوا : لا ندري ، فغضب سليمان ، فقال : لا أخرج حتى أحفر لابن السبيل ، قال : فقالت له الشياطين : ليس تعلم هذا ـ إن علمه ـ إلّا الهدهد ، قال : فكيف ذلك؟ قالوا : إنّه يخرج بخار من الأرض قبل طلوع الشمس فيصعد بقدر مسافة الماء ، لا يراه شيء إلّا الهدهد ، قال : ففقد الهدهد عند ذلك.
وأما عزير فإنّ بخت نصر حين غزا بيت المقدس فقتلهم ، وخرب بيت المقدس ، وحرق التوراة ، فبقي بنو (١) إسرائيل ليس فيهم التوراة ، إنما يقرءونها نظرا ، فلحق عزير بالجبال ، فكان يكون هناك مع الوحوش فمكث ما شاء الله أن يمكث ، قال : وكان يصوم ، وكان يرد عند الليل عينا يشرب منها فيفطر قال : فوردها ذات ليلة لإفطاره فإذا هو بامرأة قاعدة على الماء ، فلما رآها عزير قال : امرأة والنفس تهم بالشر ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ، ولم يفطر ، فلمّا أن كان من الغدّ ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء ، فقال : النفس تهمّ بالشر ، وامرأة ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ولم يفطر ، فلما كانت الليلة الثالثة ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء وقد كاد أن ينقطع عنقه عطشا ، فقال : يا نفس ، النفس تهمّ بالشر ، والشيطان عدو مبين ، وامرأة ، والخلوة ، وأنا مضطر ، فمضى إليها ليشرب من العين ، فإذا هو بها قاعدة تبكي ، فأقبل عليها وترك الشراب ، فقال : ما يبكيك؟ قالت : ابني مات ، قال : هل كان ابنك هذا يخلق؟ قالت : لا ، قال : فهل كان ابنك هذا يرزق؟ قالت : لا ،
__________________
(١) فوقها في م ضبة.