الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا يظن أن القيامة قد قامت فذلك قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً)(١) يعني : انظر إلى عظام حمارك كيف نركّب بعضها بعضا في أوصالها ، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ، ثم انظر كيف نكسوها لحما ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ : أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢) من إحياء الموتى وغيره (٣).
قال : فركب حماره حتى أتى محلته ، فأنكره الناس ، وأنكر الناس منازله ، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو (٤) بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة ، كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته ، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة (٥) ، فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت : نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت : ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا ، وقد نسيه الناس قال : فإنّي أنا عزير ، قالت : سبحان الله ، فإنّ عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة ، فلم نسمع له بذكر ، قال : فإنّي أنا عزير ، كان الله أماتني مائة (٦) سنة ، ثم بعثني ، قالت : فإنّ عزير رجلا مستجاب الدعوة ، يدعو للمريض ، ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء ، فادع الله أن يردّ عليّ بصري حتى أراك ، فإن كنت عزيرا عرفتك ، قال : فدعا ربّه ومسح يده على عينها فصحتا فأخذ بيدها فقال : قومي بإذن الله فأطلق الله رجليها ، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال (٧) ، فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير ، فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير لشيخ ابن مائة سنة وثمان (٨) عشرة سنة وبنو (٩) بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم فكذّبوها فقالت : أنا فلانة مولاتكم ، دعا لي ربّه فرد عليّ بصري وأطلق رجليّ ، وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه.
قال : فنهض الناس ، فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء بين
__________________
(١) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٣) الذي يفهم من تاريخ الطبري ١ / ٥٥١ ـ ٥٥٤ والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ١ / ١٨٠ أن الذي أماته الله هو أرميا وليس عزيرا.
(٤) الأصل : هي ، والمثبت عن م والبداية والنهاية.
(٥) الزمانة : العاهة.
(٦) «مائة» استدركت عن هامش الأصل.
(٧) مثل. تقدم الكلام عليه قريبا.
(٨) في الكامل لابن الأثير بتحقيقنا : مائة وثلاث عشرة.
(٩) الأصل وم والبداية والنهاية : وبني.