بل كان لمن قبلي فزال عنه وصار إليّ ، وكذلك يزول عني ، قال : فسررت بشيء يذهب عنك لذّته غدا وتبقى تبعته عليك تكون فيه قليلا وترتهن عليه كثيرا طويلا ، قال : فبكى ، وقال له : فأين المهرب ، قال : إلى أحد أمرين : إمّا أن تقيم فتعمل بطاعة ربّك ، وإمّا أن تلقي عليك أمساحا ثمّ تلحق بجبل وتفرّ من الناس ، وتقيم وحدك ، تعبد ربك حتى يأتيك أجلك ، قال : فإذا فعلت ذلك فما لي؟ فقال : حياة لا تموت وشباب لا يهرم ، وصحة لا تسقم ، وملك جديد لا يبلى ، فقال له : أيها الحكيم فعلما أن لي فناء وزوال؟ قال : نعم ، قال : فإني خيرت فيما يفنى ، والله لأطلبنّ عيشا لا يزول أبدا ، فانخلع من ملكه ولبس الأمساح وسار في الأرض وتبعه الحكيم ، فعبدا الله جميعا حتى ماتا.
وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد الشاعر :
وتبين رب الخورنق إذ أشرف |
|
يوما للهدى تفكير |
سرّه ماله وكثرة ما يملك |
|
والبحر معرض والسدير |
فارعوى قلبه وقال فما غبطة |
|
حيّ إلى الممات يصير |
وفيهم يقول الأسود بن يعفر (١) :
ما ذا اؤمل بعد آل محرّق |
|
تركوا منازلهم وبعد إياد |
أرض (٢) الخورنق والسدير وبارق |
|
والقصر ذي الشرفات من سنداد |
نزلوا (٣) بأنقرة يسيل عليهم |
|
ماء الفرات يجيء من أطواد (٤) |
أرض تخيرها ، لطيب مقيلها (٥) |
|
كعب بن مامة وابن أم دؤاد (٦) |
جرت الرياح على محل ديارهم |
|
فكأنما كانوا على ميعاد |
فإذا النعيم وكل ما نلهى به |
|
يوما يصير إلى بلى ونفاد |
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الأموي (٧) ، قال ابن الأعرابي :
__________________
(١) الأبيات في معجم البلدان : «سنداد» و «أنقرة».
(٢) البيت في معجم البلدان : «الخورنق» و «السدير» و «سنداد» برواية أهل الخورنق.
(٣) معجم البلدان : «حلوا بأنقرة». وفي معجم البلدان : انقرة» : نزلوا.
(٤) الأصل : الجواد ، والمثبت عن معجم البلدان «سنداد» و «انقرة».
(٥) الأصل وم : مغبطها ، والمثبت عن معجم البلدان «سنداد».
(٦) أراد كعب بن مامة بن عمرو بن ثعلبة بن سلولة بن شبابة الإيادي الذي يضرب المثل بجوده.
وابن أم دواد ، أراد أبا دؤاد الإيادي الشاعر المشهور.
(٧) الخبر في الأغاني ٢ / ٩٧ وما بعدها.