بين أهل الكوفة ، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء.
إن أمر هؤلاء [القوم](١) قد أبان ، وأنهم قد حاولوا الإسلام ولم يجترءوا على المباداة ، وإن يبقوا فسيبدون ما يكنون ، قد أعذرنا إلى القوم ، واحتججنا عليهم مرة بعد مرة ، فلما ثبتت عليهم حجة ، أو بلغهم عذر ، عاندوا وكابروا ، فهم في المدينة زمر قد حزبوا ومنعوا منا الصلاة ، وحالوا بيني وبين المسجد ، وابتزوا (٢) الأمر ، وكثروا ، وعزّوا (٣) أهل البلد ، فلما لم يجدوا جرحا أجرح به ، ولا دما أقتل به ولا ضربة سوط إلّا بحقّ ، ولا درهما قالوا : لا نرضى إلّا بأن تعتزلنا ، وهيهات لهم ، والله من أمر ينال به الشيطان فيما بعد اليوم من سلطان الله حاجته ، فأدركوا الفتنة قبل تدفقها.
ولما قدم الكتاب على معاوية قام معاوية في الناس ، فتكلّم وقال : إنّ من الحق المعونة (٤) على الحق ، ومن كان مع الحق كان الله معه ، انهضوا إلى سلطان الله ، فأعزّوه يعزّكم وينصركم ، ولا تخذلوه فيستبدل الله بكم غيركم ، ويدال عليكم.
وقد كان أقوام من أهل الأمصار شهدوا أول هذا الأمر بالمدينة ، ثم ضربوا إلى أمصارهم ، منهم : عمرو بن العاص إلى فلسطين ، وحنظلة الكاتب إلى الكوفة ، وأبو أمامة ، فأتى الشام ، وسمرة بن جندب فأتى البصرة.
وقام ابن عامر بالبصرة ، فقال : أمدّوا خليفتكم ، وذودوا عن سلطانكم ، سابقوا إليه عدو الله وعدو المسلمين ، فو الله لئن أدركتموه لتعتصمن ، ولئن [سبقتم](٥) به لتبتلنّ (٦) ، فقام أبو موسى وقال : إنّ الله قد افترض عليكم نصرة دينه ، وإنّما قوام هذا الدين السلطان ، بادروا سلطان الله لا يستذل ، ففصل القوم من بلدانهم ، وضربوا نحو المدينة [وبلغ القوم بالمدينة](٧) الخبر ، فزيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم ليغلقهم فيرتهنهم بها ، فضيقوا على عثمان ، واشتدوا على من تعرّض لهم بالبسط ، وفتح عثمان الباب ، وسمع بذلك أبو هريرة ، فأقبل بالسيف ، فقال : طاب أم ضراب (٨) ، وسمع بذلك زيد بن ثابت ، فقال : يا معشر
__________________
(١) الزيادة عن م و «ز».
(٢) بدون إعجام بالأصل وم و «ز» ، والمثبت عن المطبوعة.
(٣) أي قهروهم وغلبوهم.
(٤) الأصل : العونة ، والمثبت عن م ، و «ز».
(٥) الزيادة عن م و «ز».
(٦) بالأصل وم : لتبلون ، وفي «ز» : لتبتلون.
(٧) الزيادة عن م و «ز» ، للإيضاح.
(٨) أي طاب الضراب ، لغة طي وحمير ، راجع اللسان (طيب).