فأشر عليّ برجل ينفذ لأمري ، ولا يقصّر ، فقال : ما أعرف ذلك غيري ، فقال : أنت لها ، فأشر علي برجل أبعثه (١) على مقدمتك لا يتهم رأيه ، ولا نصيحته ، وعجّله في سرعان (٢) الناس ، فقال : أمن جندي أم من غيرهم؟ فقال : من أهل الشام ، فقال : إن أردته من جندي أشرت به عليك ، وإن كان من غيرهم فإنّي أكره أن أغرك بمن لا علم لي به ، فقال : فهاته من جندك ، قال يزيد بن شجعة الحميري ، فإنه كما تحب.
فإنّهم لفي ذلك إذ قدم الكتاب بالحصر ، فدعاهما ثم قال لهما : النجاء ، سيرا فأغيثا أمير المؤمنين ، وتعجّل أنت يا يزيد ، فإن قدمت يا حبيب وعثمان حيّ فهو الخليفة ، والأمر أمره ، فأنفذ لما يأمرك به ، وإن وجدته فقد قتل فلا تدعنّ أحدا أشار إليه ، ولا أعان عليه إلّا قتلته ، وإن أتاك شيء قبل أن تصل إليه فأقم حتى أرى من رأيي.
وبعث يزيد بن شجعة ، فأمضاه على المقدّمة في ألف فارس على البغال يقودون الخيل معهم الإبل عليها الروايا ، وأتبعهم حبيب بن مسلمة ، وهو على الناس ، وخرجوا جميعا ، وأغذّ يزيد السير ، فانتهى إلى ما بين خيبر والسقيا ، فلقيه الخبر ، ثم لقيه النعمان بن بشير معه القميص الذي قتل فيه عثمان ، مخضّب (٣) بالدماء ، وأصابع امرأته ، وأخبره الخبر ، فرجع يزيد إلى حبيب ومعه النعمان ، فأمضى حبيب النعمان إلى معاوية ، وأقام ، فأتاه رأيه ، فرجع حتى قدم دمشق ، ولما قدم النعمان على معاوية أخرج (٤) القميص وأصابع نائلة بنت الفرافصة ، أصبعان قد قطعتا ببراجمهما (٥) وشيء من الكف ، وأصبعان مقطوعتان (٦) من أصلهما مفترقتين ونصف الإبهام ، وأخبره الخبر ، فوضع معاوية القميص على المنبر ، وكتب بالخبر إلى الأجناد ، وثاب إليه الناس ، وبكوا سنة وهو على المنبر ، والأصابع معلقة فيه ، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ، ولا يمسون الغسل إلّا من احتلام ، ولا ينامون على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان ، ومن عرض دونهم ، أو تفنى أرواحهم ، فمكثوا يبكون حول القميص [سنة ، والقميص](٧) يوضع كل يوم على المنبر ، ويجلّل أحيانا ، فيلبسه ، وعلق في أرادنه أصابع نائلة ، ـ رحمها الله ـ.
__________________
(١) الأصل : بعثه ، والتصويب عن م و «ز».
(٢) أي أوائلهم.
(٣) كذا بالأصول : مخضب.
(٤) بالأصول الثلاثة : فأخرج.
(٥) الأصل وم ببراجمها ، والمثبت عن «ز».
والبراجم هي مفاصل الأصابع التي بين الأشاجع والسلاميات.
(٦) بالأصول الثلاثة : وإصبعين مقطوعتين.
(٧) الزيادة عن «ز» ، وم.