الجيش؟ فقال معاوية : لا والله ما جئتك إلّا في ثلاثة رهط ، فقال عثمان : لا وصل الله رحمك ، ولا أعزّ نصرك ، ولا جزاك عني خيرا ، فو الله ما أقتل إلّا فيك ، ولا ينقم عليّ إلّا من أجلك ، فقال معاوية : بأبي أنت وأمّي ، إنّي لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك قبل أن يبلغ الجيش إليك ، ولكن معي نجائب لا تساير ، ولم يشعر بي أحد ، فاخرج معي ، فو الله ما هي إلّا ثلاث حتى نرى معالم الشام ، فإنها أكثر الإسلام رجالا ، وأحسنه فيك رأيا ، فقال عثمان : بئس ما أشرت به ، وأبى أن يجيبه إلى ذلك.
فخرج معاوية إلى الشام راجعا ، وقدم المسور يريد المدينة ، فلقي معاوية بذي المروة راجعا إلى الشام ، فقدم المسور على عثمان وهو ذامّ لمعاوية ، غير عاذر له.
فلما كان في حصره الآخر بعث المسور أيضا إلى معاوية ، فأغذّ السير حتى قدم عليه ، فقال : إن عثمان بعثني إليك لتبعث إليه بالرجال والخيول ، وتنصره بالحقّ ، وتمنعه من الظلم ، فقال : إنّ عثمان أحسن ، فأحسن الله به ، ثم غيّر فغيّر الله به ، فشددت عليه ، فقال : يا مسور تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم : اذهب فادفع عنه الموت ، وليس ذلك بيدي ، ثم أنزلني في مشربة (١) على رأسه ، فما دخل عليّ داخل حتى قتل عثمان رحمة الله ورضوانه عليه (٢).
قال : وأنا ابن سعد ، حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر بنت المسور ، عن أبيها ، قال :
قال لي معاوية : يا مسور أنت ممن قتل عثمان؟ فقال المسور : أنا والله يا معاوية نصحته واعتزلته ، وأنت والله غششته وخذلته ، فإن شئت أخبرت القوم خبرك وخبري حين قدمت عليك الشام ، فقال معاوية : لا يا أبا عبد الرّحمن.
أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أبو بكر بن سيف ، أنا السّري بن يحيى ، أنا شعيب بن إبراهيم ، أنا سيف بن عمر ، عن أبي حارثة وأبي عثمان ، قالا (٣) :
لما أتى معاوية الخبر ، أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري ، فقال : إن عثمان قد حصر ،
__________________
(١) المشربة : الغرفة (اللسان).
(٢) تاريخ الإسلام (الخلفاء الراشدون) ص ٤٥١.
(٣) من هذه الطريق رواه الذهبي في تاريخ الإسلام : ٤٥١ ـ ٤٥٢ وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٥٦٢.