قيل ، فعمّار بن ياسر؟ قال : كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام ، فضربهما عثمان ، فأورث ذلك بين آل عمار وآل عتبة شرا حتى اليوم ، وكنى عمّا ضربا عليه وفيه.
قال : ونا سيف ، [عن مبشر بن الفضيل ، وسهل بن يوسف](١) عن محمّد بن سعد بن أبي وقاص ، قال :
قدم عمّار مصر وأبي شاكي (٢) ، فبلغه فبعثني إليه أدعوه ، فقام معي ليس عليه رداء وعليه قلنسية من شعر معتمّ عليها بعمامة وسخة وجبّة فراء يمانية ، فلما دخل على سعد وهو متكئ استلقى ووضع يده على جبهته ثم قال : ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا أهل الخير ، فما الذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين ، والتأليب على أمير المؤمنين ، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمّار إلى عمامته ـ وغضب ـ فنزعها ، وقال : خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه ، فقال سعد : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، ويحك حين كبر سنّك ، ورقّ (٣) عظمك ، ونفد عمرك ، فلم يبق منك إلّا ظمء كظمء (٤) الحمار ، خلعت ربقة الإسلام من عنقك ، وخرجت من الدين عريانا كما ولدتك أمك ، فقام عمّار مغضبا موليا وهو يقول :
أعوذ بربي من فتنة سعد (٥)
فقال سعد : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)(٦) ، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات ، حتى خرج عمار من الباب ، وأقبل عليّ سعد يبكي له ، حتى أخضل لحيته ، وقال : من يأمن الفتنة ، يا بني ، لا تخرجن منك ما سمعت منه ، فإنه من الأمانة ، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه ، فيتناولونه ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحقّ مع عمّار ما لم تغلب عليه دلهة (٧) الكبر» ، فقد دله وخرف وكان بعد يكثر أن يقول : ليت شعري كيف يصنع الله بعمار مع بلائه وقدمه في الإسلام وحدثه الذي أحدث؟
قال : ونا سيف ، عن مبشر قال (٨) :
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة عن م و «ز».
(٢) كذا بالأصل وم و «ز» ، بإثبات ياء المنقوص.
(٣) كذا بالأصول ، وفي المختصر : دق ، بالدال.
(٤) أي لم يبق من عمره إلّا اليسير (اللسان : ظمأ).
(٥) كذا ورد بالأصل منظوما في وسط السطر ، وفي م و «ز» ورد قوله نثرا.
(٦) سورة التوبة ، الآية : ٥٠.
(٧) الدّله والدّله : ذهاب الفؤاد من هم أو نحوه (اللسان : دله).
(٨) تاريخ الطبري ٤ / ٣٩٩.