على القلب مضرّة بالرأي ، فكيف رأيه في حقوق النّاس؟ قال : يأخذ ما له عفوا ، ويعطي ما عليه عفوا ، قال : فكيف عطاياه؟ قال : يعطي حتى يقال جواد ، ويمنع حتى يبخّل ، فقال معاوية : إنّ العذل لضيق وفي البذل عوض (١) من العدل ، قال : فكيف الشفاعة عنده؟ قال : ليس فيها مطمع ، ما أراد من خير جعله لك أو له.
قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا عبد الوهاب الميداني ، أنا أبو سليمان بن زبر ، أنا عبد الله بن أحمد بن جعفر ، أنا محمّد بن جرير (٢) ، حدّثني الحارث بن محمّد ، عن مسلمة ـ يعني : بن محارب الزيادي ـ قال :
لما أراد معاوية أن يبايع ليزيد كتب إلى زياد يستشيره ، فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النّميري فقال : إنّ لكل مستشير ثقة ، ولكلّ سرّ مستودع ، وإنّ الناس قد أبدعت (٣) بهم خصلتان : إضاعة (٤) السر ، وإخراج النصيحة ، وليس موضع السر إلّا أحد الرجلين : رجل آخرة يرجو ثوابا ، ورجل دنيا له شرف في نفسه ، وعقل يصون حسبه ، وقد عجمتها منك ، فأحمدت الذي قبلك ، وقد دعوتك لأمر اتّهمت عليه بطون الصحف ، إن أمير المؤمنين كتب إليّ يزعم أنه قد أجمع على بيعة يزيد ، وهو يتخوّف نفرة الناس ، ويرجو مطابقتهم ويستشيرني ، وعلاقة أمر الإسلام ، وضمانه عظيم ، ويزيد صاحب رسلة (٥) وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد ، فالق أمير المؤمنين مؤديا عني ، فأخبره عن فعلات يزيد ، فقال له : رويدك بالأمر ، فأقمن أن يتم لك ما تريد ، ولا تعجل ، فإنّ دركا في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت ، فقال عبيد : أفلا أغير هذا؟ قال : ما هو؟ قال : لا يفسد على معاوية رأيه ، ولا تمقّت إليه ابنا ، وألقى أنا يزيد سرا من معاوية ، فأخبره عنك أنّ أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في بيعته ، وأنك تخوفت خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه ، وإنّك ترى له ترك ما ينقم عليه ، فيستحكم بأمير المؤمنين الحجة على الناس ، وسهل لك ما تريد ، فتكون قد نصحت ليزيد ، وأرضيت أمير المؤمنين ، وسلمت مما يخاف من علاقة أمر الأمة ، فقال زياد : لقد رميت الأمر بحجره ، أشخص على بركة الله ، فإن أصبت فما لا ينكر إن يكن خطأ فغير مستغش ، وأبعد بك إن شاء الله من الخطأ ، قال : تقول بما ترى ويقضي الله بغيب ما يعلم ، فقدم على يزيد فذاكره
__________________
(١) الأصل وم : عرض ، والتصويب عن المختصر ١٦ / ٤١.
(٢) الخبر في تاريخ الطبري ٥ / ٣٠٢ حوادث سنة ٥٦.
(٣) أبدعت بهم خصلتان : أي أضرّ بهم.
(٤) في تاريخ الطبري : إذاعة السرّ.
(٥) أي كسل.