البلد ، ووقدت التنانير والمصابيح على سطح الجامع ، ودور صحنه ، ووضع الشمع على المقصورة وفي مجالس العلماء ، وحمل إليهم العزيز بالله بالأطعمة ، والحلوى والبخور ، فكان جمعا عظيما.
قال : وفي شهر رجب سنة اثنتين وأربعمائة : قطع الرسم الجاري من الخبز ، والحلوى الذي يقام في هذه الثلاثة الأشهر لمن يبيت بجامع القاهرة في ليالي الجمع ، والأنصاف وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقيّ (١) إلى جامع القاهرة ليلة النصف من رجب ، واجتمع الناس بالقرافة على ما جرت به رسومهم من كثرة اللعب والمزاح.
روى الفاكهيّ في كتاب مكة : أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، كان يصيح في أهل مكة ، ويقول : يا أهل مكة أوقدوا ليلة هلال المحرّم فأوضحوا فجاجكم لحاج بيت الله ، واحرسوهم ليلة هلال المحرّم ، حتى يصبحوا ، وكان الأمر على ذلك بمكة في هذه الليلة ، حتى كانت ولاية عبد الله بن محمد بن داود على مكة ، فأمر الناس أن يوقدوا ليلة هلال رجب ، فيحرسوا عمار أهل اليمن ، ففعلوا ذلك في ولايته ، ثم تركوه بعد.
وفي ليلة النصف من رجب سنة خمس عشرة وأربعمائة : حضر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم عليّ بن الحاكم بأمر الله ، ومعه السيدات ، وخدم الخاصة وغيرهم ، وسائر العامّة والرعايا ، فجلس الخليفة في المنظرة ، وكان في ليلة شعبان أيضا اجتماع لم يشهد مثله من أيام العزيز بالله ، وأوقدت المساجد كلها أحسن وقيد ، وكان مشهدا عظيما بعد عهد الناس بمثله ، لأنّ الحاكم بأمر الله كان أبطل ذلك ، فانقطع عمله.
وقال ابن المأمون : ولما كانت ليلة مستهل رجب ، يعني من سنة ست عشرة وخمسمائة عملت الأسمطة الجاري بها العادة ، وجلس الخليفة الآمر بأحكام الله عليها ، والأجلّ المأمون الوزير ، ومن جرت عادته بين يديه ، وأظهر الخليفة من المسرّة والانشراح ، ما لم تجريه عادته ، وبالغ في شكره وزيره ، وإطرائه وقال : قد أعدت لدولتي بهجتها ، وجدّدت فيها من المحاسن ما لم يكن ، وقد أخذت الأيام نصيبها من ذلك ، وبقيت الليالي وقد كان بها مواسم قد زال حكمها ، وكان فيها توسعة وبرّ ونفقات ، وهي ليالي الوقود الأربع ، وقد آن وقتهنّ فأشتهي نظرهنّ ، فامتثل الأمر وتقدّم بأن يحمل إلى القاضي خمسون دينارا يصرفها في ثمن الشمع.
وأن يعتمد الركوب في الأربع الليالي وهي : ليلة مستهل رجب ، وليلة نصفه ، وليلة مستهل شعبان ، وليلة نصفه ، وأن يتقدّم إلى جميع الشهود بأن يركبوا صحبته ، وأن يطلق
__________________
(١) أبو الحسن من قضاة الديار المصرية ولّاه الحاكم العبيدي سنة ٣٩٨ ه وعلت منزلته عنده واستمر في القضاء حوالي سبع سنين ثم ضرب عنقه بوشاية ظالمة وذلك سنة ٤٠٥ ه. الأعلام ج ٥ / ٢٦٢.