صار له في الأنفس من الحرمة والمهابة ، وبما يثق به من شجاعته ، فلما صار بقلعة الجبل ، وانتهى إلى قاعة العواميد عوّق من معه من المماليك عن الدخول معه ، ووثب به المماليك الذين أعدّهم المعزّ ، وتناولوه بالسيوف ، فهلك لوقته ، وغلقت أبواب القلعة ، وانتشر الصوت بقتله في البلد ، فركب أصحابه وخشداشيته (١) ، وهم نحو السبعمائة فارس إلى تحت القلعة ، وفي ظنهم أنّ الفارس أقطاي لم يقتل ، وإنما قبض عليه السلطان ، وإنهم يقاتلونه حتى يطلقه لهم ، فلم يشعروا إلّا برأس الفارس أقطاي ، وقد ألقيت عليهم من القلعة ، فانفضوا لوقتهم ، وتواعدوا على الخروج من مصر إلى الشام ، وأكابرهم يومئذ بيبرس البندقداريّ ، وقلاون الإلفيّ ، وسنقر الأشقر ، وبيسري ، وسكز ، وبرامق ، فخرجوا في الليل من بيوتهم بالقاهرة إلى جهة باب القرّاطين ، ومن العادة أن تغلق أبواب القاهرة بالليل ، فألقوا النار في الباب حتى سقط من الحريق ، وخرجوا منه ، فقيل له من ذلك الوقت : الباب المحروق وعرف به ، وأما القوم فإنهم ساروا إلى الملك الناصر يوسف بن العزيز صاحب الشام ، فقبلهم وأنعم عليهم ، وأقطعهم إقطاعات ، واستكثر بهم ، وأصبح المعز ، وقد علم بخروجهم إلى الشام ، فأوقع الحوطة على جميع أموالهم ونسائهم وأولادهم وعامّة تعلقاتهم ، وسائر أسبابهم ، وتتبعهم ونادى عليهم في الأسواق بطلب البحرية ، وتحذير العامّة من إخفائهم ، فصار إليه من أموالهم ما ملأ عينه ، واستمرّت البحرية في الشام إلى أن قتل المعز أيبك ، وخلع ابنه المنصور ، وتسلطن الأمير قطز ، فتراجعوا في أيامه إلى مصر ، وآلت أحوالهم إلى أن تسلطن منهم : بيبرس وقلاون ، ولله عاقبة الأمور.
باب البرقية (٢)
__________________
(١) خشداشية : ج. خشداش من الفارسية (خواجة تاش) أي الشريك في السيد وتطلق هذه الكلمة على المملوك ينشأ مع مملوك آخر في خدمة سيده وأحد مشترك فهما مولياه. النجوم الزاهرة ج ٧ / ٩.
(٢) في الأصل هكذا لا يوجد شرح ولا تعليق.