وجرى الحال فيها ، وفي جلوس الخليفة ، ومن جرت عادته ، وتهيئة قصور الخلافة ، وتفرقة الرسوم على ما هو مستقرّ.
وتوجه الأجلّ المأمون إلى داره ، فوجد الحال في الأسمطة على ما جرت به العادة والتوسعة فيها أكثر مما تقدّمها ، وكذلك الهناء في صبيحة الموسم بالدار المأمونية والقصور ، وحضر من جرت العادة بحضوره للهناء وبعدهم الشعراء على طبقاتهم ، وعادت الأمور في أيام السلام ، والركوبات ، وترتيبها على المعهود ، وأحضر كل من المستخدمين في الدواوين ما يتعلق بديوانه من التذاكر ، والمطالعات مما تحتاج إليه الدولة في طول السنة ، وينعم به ويتصدّق ويحمل إلى الحرمين الشريفين من كل صنف على ما فصل في التذاكر على يد المندوبين ، ويحمل إلى الثغور ويخزن من سائر الأصناف ما يستعمل ، ويباع في الثغور والبلاد والاستيمار وجريدة الأبواب ، وتذكرة الطراز والتوقيع عليها.
وقال ابن الطوير : فإذا كان العشر الأخير من ذي الحجة في كل سنة انتصب كل من المستخدمين بالأماكن لإخراج آلات الموكب من الأسلحة وغيرها ، فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الركاب حول الخليفة من الأسلحة ، وهو الصماصم المصقولة المذهبة ، مكان السيوف المحدّبة ، والدبابيس الكيمخت (١) الأحمر والأسود ، ورؤوسها مدوّرة مضرّسة ، واللتوت (٢) كذلك ورؤوسها مستطيلة مضرّسة أيضا ، وآلات يقال لها : المستوفيات ، وهي عمد حديد من طول ذراعين مربة الأشكال بمقابض مدوّرة في أيديهم بعدّة معلومة من كل صنف ، فيتسلمها نقباؤهم ، وهي في ضمانهم ، وعليهم إعادتها إلى الخزائن بعد تقضي الخدمة بها ، ويخرج للطائفة من العبيد الأقوياء السودان الشباب ، ويقال لهم : أرباب السلاح الصفر ، وهم ثلثمائة عبد لكل واحد حربتان بأسنة مصقولة تحتها جلب فضة كل اثنتين في شرابة وثلثمائة درقة بكوامخ فضة ، يتسلم ذلك عرفاؤهم على ما تقدّم ، فيسلمونه للعبيد لكل واحد حربتان ودرقة.
ثم يخرج من خزانة التجمل ، وهي من حقوق خزائن السلاح القصب الفضة برسم تشريف الوزير ، والأمراء أرباب الرتب ، وأزمّة العساكر ، والطوائف من الفارس ، والراجل وهي رماح ملبسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب إلّا ذراعين منها ، فيشدّ في ذلك الخالي من الأنابيب عدّة من المعاجر الشرب الملوّنة ، ويترك أطرافها المرقومة مسبلة كالصناجق (٣) ، وبرءوسها رمامين منفوخة فضة مذهبة وأهلة مجوّفة كذلك ، وفيها جلاجل لها حس إذا
__________________
(١) الكيمخت : ضرب من الجلود المدبوغة.
(٢) اللتوت : لفظ فارسي معناه : القدوم أو الفأس العظيمة.
(٣) الصناجق : في النجوم الزاهرة : السناجق : ج. سنجق. وهو لفظ تركي يطلق في الأصل على الرمح وهي رايات صفر يحملها السنجقدار. صبح الأعشى ٣ / ٤٥٦.