الموفق بن الخلال : لما كان يتحدّث في أمور الدواوين أيام الخليفة الحافظ لدين الله ، وخرج من انتدب بعد انحطاط النيل من العدول ، والنصارى الكتاب إلى الأعمال لتحرير ما شمله الريّ ، وزرع من الأراضي وكتابة المكلفات ، فخرج إلى بعض النواحي من يمسحها من شادّ ، وناظر ، وعدول ، وتأخر الكاتب النصرانيّ ، ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية ، فحمله ضامن تلك المعدّية إلى البرّ ، وطلب منه أجرة التعدية ، فنفر فيه النصرانيّ ووسبّه ، وقال : أنا ماسح هذه البلدة ، وتريد مني حق التعدية ، فقال له الضامن : إن كان لي زرع خذه ، وقلع لجام بغلة النصرانيّ ، وألقاه في معدّيته ، فلم يجد النصراني بدّا من دفع الأجرة إليه ، حين أخذ لجام بغلته ، فلما تمم مساحة البلد ، وبيض مكلفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب ، وكانت عادتهم حينئذ ، كتب الجملة بزيادة عشرين فدّانا ترك بياضا في بعض الأوراق ، وقابل العدول على المكلفة ، وأخذ الخطوط عليها بالصحة ، ثم كتب في البياض الذي تركه : أرض اللجام باسم ضامن المعدّية عشرين فدانا ، قطيعة كل فدّان : أربعة دنانير ، عن ذلك ثمانون دينارا ، وحمل المكلفة إلى ديوان الأصل وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر ندب من الجند من فيه حماسة ، وشدّة ، ومن الكتاب العدول ، وكاتب نصرانيّ ، فيخرجون إلى سائر الأعمال لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلفات المذكورة فينفق في الأجناد ، فإنه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات ، كما هو الآن ، وكان من العادة أن يخرج إلى كل ناحية ممن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة ، بل ينتدب قوم سواهم ، فلما خرج الشادّ والكاتب والعدول لاستخراج ثلث مال الناحية استدعوا أرباب الزرع على ما تشهد به المكلفة ، ومن جملتهم ضامن المعدّية ، فلما حضر : ألزم بستة وعشرين دينارا وثلثي دينار عن نظير ثلث المال الثمانين دينارا التي تشهد بها المكلفة ، عن خراج أرض اللجام فأنكر الضامن أن تكون له زراعة بالناحية ، وصدّقه أهل البلد ، فلم يقبل الشادّ ذلك ، وكان عسوفا ، وأمر به فضرب بالمقارع واحتج بخط العدول على المكلفة ، وما زال به حتى باع معدّيته وغيرها ، وأورد ثلث المال الثابت في المكلفة وسار إلى القاهرة ، فوقف تحت السقيفة ، وأعلن بما تقدّم ذكره ، فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره ، فلما مثل بحضرته قص عليه ظلامته مشافهة ، وحكى له ما اتفق منه في حق النصرانيّ ، وما كاده به ، فأحضر ابن الخلال ، وجميع أرباب الدواوين ، وأحضرت المكلفات التي عملت للناحية المذكورة في عدّة سنين ماضية ، وتصفحت بين يديه سنة سنة ، فلم يوجد لأرض اللجام ذكر البتة ، فحينئذ أمر الخليفة الحافظ : بإحضار ذلك النصرانيّ ، وسمر في مركب وأقام له من يطعمه ويسقيه ، وتقدّم بأن يطاف به سائر الأعمال ، وينادى عليه ، ففعل ذلك ، وأمر بكف أيدي النصرانية كلها عن الخدم في سائر المملكة ، فتعطلوا مدّة إلى أن ساءت أحوالهم.
وكان الحافظ مغرما بعلم النجوم وله عدّة من المنجمين من جملتهم : شخص صار إليه عدّة من أكابر كتاب النصارى ، ودفعوا إليه جملة من المال ، ومعهم رجل منهم يعرف :