خلاف حركة الكل إلى أيّ نقطة فرضت ، ابتداء حركتها ، وذلك أنها تستوفي الأزمنة الأربعة التي هي الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء ، وتحوز طبائعها الأربع ، وتنتهي إلى حيث بدأت ، وفي هذه المدّة يستوفي القمر اثنتي عشرة عودة ، وأقلّ من نصف عودة ، ويستهل اثنتي عشرة مرّة ، فجعلت المدّة التي فيها عودات القمر الاثنتا عشرة في فلك البروج سنة للقمر على جهة الاصطلاح ، وأسقط الكسر الذي هو أحد عشر يوما بالتقريب ، فصارت السنة على قسمين : سنة شمسية ، وسنة قمرية ، وجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ سنيهم من مسير الشمس والقمر ، فالآخذون بسير الشمس خمس أمم وهم : اليونانيون ، والسريانيون ، والقبط ، والروم ، والفرس ، والآخذون بسير القمر خمس أمم هم : الهند ، والعرب ، واليهود ، والنصارى ، والمسلمون.
فأهل قسنطينية والإسكندرية ، وسائر الروم والسريانيون والكلدانيون ، وأهل مصر ، ومن يعمل برأي المعتضد أخذوا بالسنة الشمسية التي هي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم بالتقريب ، وصيروا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما ، وألحقوا الأرباع بها في كل أربع سنين يوما حتى انجبرت السنة ، وسمّوا تلك السنة كبيسة لانكباس الأرباع فيها.
وأما قبط مصر القدماء : فإنهم كانوا يتركون الأرباع حتى يجتمع منها أيام سنة تامّة ، وذلك في كل ألف وأربعمائة وستين سنة ، ثم يكبسونها سنة واحدة ، ويتفقون حينئذ في أوّل تلك السنة مع أهل الإسكندرية وقسطنطينية.
وأما الفرس : فإنهم جعلوا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما من غير كبس حتى اجتمع لهم من ربع اليوم في مائة وعشرين سنة أيام شهر تامّ ، ومن خمس الساعة الذي يتبع ربع اليوم عندهم ، يوم واحد ، فألحقوا الشهر التامّ بها في كل مائة وست عشرة سنة ، واقتفى أثرهم في هذا أهل خوارزم القدماء والصفد ، ومن دان بدين فارس ، وكانت الملوك البيشدادية منهم ، وهم الذين ملكوا الدنيا بحذافيرها يعملون السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما كل شهر منها : ثلاثون يوما سواء ، وكانوا يكبسون السنة كل ست سنين بيوم ، ويسمونها كبيسة ، وكل مائة وعشرين سنة بشهرين أحدهما بسبب خمسة الأيام ، والثاني بسبب ربع اليوم ، وكانوا يعظمون تلك السنة ويسمونها المباركة.
وأما قدماء القبط : وأهل فارس في الإسلام ، وأهل خوارزم والصفد فتركوا الكسور أعني الربع ، وما يتبعه أصلا. وأما العبرانيون ، وجميع بني إسرائيل ، والصابئون ، والحرّانيون فإنهم أخذوا السنة من مسير الشمس ، وشهورها من مسير القمر لتكون أعيادهم ، وصيامهم على حساب قمريّ ، وتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السنة ، فكبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بستة أشهر ، ووافقهم النصارى في صومهم ، وبعض أعيادهم لأن مدار أمرهم على نسخ اليهود ، وخالفوهم في الشهور إلى مذهب الروم والسريانيين ، وكانت