أما بعد ، فقد أحيط بك من كل جانب ، واعلم أنه يسار بك كل يوم وليلة ، فاحذر الله والمقام بين يديه ، وأن يكون آخر عهدك به ، والسلام.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، حدثني أبي أبو البركات ، أنا أبو الفضل عبيد الله (١) بن علي بن الكوفي المقرئ ، أنا أبو الحسين محمّد بن عبد الله بن أخي ميمي ، أنا أبو محمّد جعفر بن محمّد بن نصير ، نا أحمد بن مسروق ، نا أبو حاتم الرازي ، نا عبيد بن هشام الحلبي ، نا عطاء مسلم بن الخفّاف ، قال : سمعت الأوزاعي يقول :
لؤم بالرجل ودناءة نفس يفوته (٢) وقت الصلاة يكسب دانق.
أخبرنا أبو محمّد أيضا ، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، قال : قرئ على أبي القاسم عبد الرّحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن محمّد ، قال : قرئ على أبي بكر أحمد بن سليمان ، نا عبد الله بن محمّد بن عبيد بن أبي الدنيا ، قال : حدثني محمّد بن إدريس ، قال : سمعت أبا صالح كاتب الليث (٣) يذكر عن الهقل بن زياد ، عن الأوزاعي.
أنه وعظ فقال في موعظته : أيها الناس تقووا بهذه النّعم التي أصبحتم فيها على الهرب من (نارُ اللهِ) ـ عزوجل ـ (الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)(٤) ، فإنكم في دار ، الثواء فيها قليل ، وأنتم فيها مرحّلون ، خلائف (٥) بعد القرون الذين (٦) استقبلوا (٧) من الدنيا أنفسها وزهرتها ، فهم كانوا أطول منكم أعمارا ، وأمدّ أجساما ، وأعظم آثارا ، فجددوا الجبال وجابوا (٨) الصخور ، ونقّبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد ، وأجساد (٩) كالعماد ، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم ، وعفّت آثارهم ، وأخربت (١٠) منازلهم ، وأنست ذكرهم ، فما تحس منهم من أحد ، ولا تسمع لهم ركزا (١١) كانوا بلهو الأمل ، آمنين لميقات يوم غافلين ، أو لصباح قوم نادمين ، ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله عزوجل ، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين ، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه ، ومساكن
__________________
(١) في م : عبد الله.
(٢) بالأصل : «؟؟؟ بوقته» والمثبت عن م.
(٣) من طريقه رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٧ / ١١٧ ـ ١١٨ وجزء من الموعظة في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٤١ ـ ١٦٠ ص ٤٩١).
(٤) راجع الآية ٦ من سورة الهمزة.
(٥) في سير أعلام النبلاء : مرتحلون وخلائف ...
(٦) بالأصل وم : «التي» تحريف.
(٧) سير أعلام النبلاء : استقالوا.
(٨) أي نقبوها. وقيل : خرقوها (انظر اللسان).
(٩) سير أعلام : وأجسام.
(١٠) سير أعلام النبلاء : وأخوت منازلهم.
(١١) الركز : الصوت الخفي ، وقيل هو الصوت ليس بالشديد.