وأما جبل صيد فإنه يروى أن معاذا صعده وأذّن فيه ، فسمع إلى بلد بعيد منه ، وخلف أهل الجند ومخاليفها يروي هذا الحديث عن سلفهم من غير إنكار. فوضع في موضع الأذان مسجد وكان صغيرا من أحجار غير محكمة ولا متقنة ، وبناء ضعيفا ، وسقفا غير محكم. ثم إن الله تعالى ، وفق هذا الأمير الأجل الكبير علم الدين ـ أسعده الله وأدام توفيقه ، وسدد إلى الخيرات طريقه ـ وألهمه عمارته ، فنقض هذا المسجد الصغير إلى عرصته ، وأمر بالأحجار المحكمة المتقنة ، فبنى أساسه بها ، ثم بالآجر والجص ، وجعل مسجدا كبيرا جامعا ، وحمل الأخشاب الجيدة وأذهبت بالذهب ، والأطباق الرصينة المزوقة الحصينة ، فجعل سقفه أطباقا كله ، وقضض جميعه وجصص ، وأحكمت صنعته ، واتخذ فيه منارة عالية بنيت بالآجر والجص ، وعملت قدامه بركة وقضضت وأحكمت صنعتها ، وعني في عمارته غاية العناية والصنعة. وتوجه هذا الأمير ـ وفقه الله تعالى ـ من صنعاء / إليه في وقت عمارته مرارا حتى فرغت عمارته وأحكمت. وفرشه بالحصر (١) الرفيعة النفيسة ورتب فيه (٢) إماما وقيما ، وأرصد لهم رزقا بقدر كفايتهم. وكان الفراغ من عمارته في آخر سنة إحدى وست مئة من الهجرة الطاهرة النبوية ـ صلوات الله على صاحبها وسلامه ـ فالله تعالى يتقبل حسناته ويعلي في الجنة درجاته.
وسمي المسجد مسجد معاذ لكونه أذن فيه والله أعلم.
والسبب الداعي إلى ذكر ذلك مني ليقف عليه من بعدنا فيتحقق فضل آثار من قبلنا لئلا يندرس كما كاد يندرس فضل جبانة صنعاء لفساد الدين ، وتبديل سنة الأولين من أهل السنة والجماعة من الصنعانيين. فمنذ بدلت الشريعة غير الشريعة ، اندرس (٣) فضل هذه البقاع في صنعاء والمساجد ، لأنهم كانوا من قبل
__________________
(١) الأصل : «بالحصير».
(٢) الأصل : «فيها».
(٣) الأصل : «واندرس».