قدمت البصرة ، فجلست في حلقة فيها الأحنف بن قيس ، فقال لي رجل من أهل الحلقة : ممن (١) أنت؟ قلت : من أهل الكوفة ، فالتفت إلى جليسه فقال : هذا مولانا ، فقلت له : أفتدرون ما قال : أعشى همدان فينا وفيكم؟ قال : وما قال؟ قال : قلت : قال (٢) :
وإذا فاخرتمونا فاذكروا |
|
ما فعلناه بكم يوم الجمل |
بين شيخ خاضب عثنونه |
|
وفتى أبيض (٣) وضّاح رفل |
جاءنا يهدر (٤) في سابغة |
|
فذبحناه ضحى ذبح الحمل (٥) |
وعفونا ، فنسيتم عفونا |
|
وكفرتم نعمة الله الأجل |
وقتلتم خشبيّين بهم |
|
بدل من قومكم شرّ بدل |
قال (٦) : فغضب الأحنف وقال لجاريته : هاتي تلك الصحيفة ، فإذا فيها : من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ، ومن قبله من مضر ، أما بعد ، فويل لمضر من شرّ أمر قد حضر ، وإن الأحنف مورد قومه حرّ سقر حيث لا يقدر لهم على صدر ، ولقد بلغني أنكم تكذبون رسلي ، ولئن فعلتم لقد كذّبت الرسل من قبلي ، ولست بخير من كثير منهم والسلام ، قال الأحنف : هذا منا أو منكم؟ قال : فقمت وما أحير جوابا.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان (٧) ، حدثني أبو عثمان سعيد بن يحيى الأموي ، نا عمي محمّد بن سعيد ، نا المجالد ، عن الشعبي ، قال :
كنت أجالس الأحنف فأفاخر جلساءه من أهل البصرة بأهل الكوفة ، فقال (٨) : إنما أنتم خول لنا ، استنقذناكم من عبيدكم ، فذكرت كلمة قالها أعشى همدان :
أفخرتم أن قتلتم أعبدا |
|
وهزمتم مرة آل رعل (٩) |
__________________
(١) عن م والجليس الصالح وبالأصل : من.
(٢) الأبيات في الجليس الصالح ، والخبر والأبيات في الأغاني ٥ / ٥٤ ، والخبر والأبيات في تاريخ الطبري ٦ / ٦٩ ، وانظر ديوانه ص ٣٣٧ (مع ديوان أعشى قيس).
(٣) الأصل : «وبيض» والمثبت عن المصادر.
(٤) في الطبري : «يهدج» وفي الأغاني : يرفل.
(٥) الأصل وم : «الجمل» والمثبت عن المصادر.
(٦) نهاية القصة في الأغاني مختلفة عما ورد هنا بالأصول.
(٧) المعرفة والتاريخ ٢ / ٣٠.
(٨) في المعرفة والتاريخ : فقال لنا أنتم.
(٩) المعرفة والتاريخ : رغل.