وأما السخري فإن أحدا لا يسخر بمثلك مرتين (١) ، فو الله إنك اليوم لسيّد المسلمين فيما نعلم (٢) ، وإنّك لمن المهاجرين الأولين ، ولقد بلغنا أنك قرأت القرآن على عهد محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وإنّه لم يكن في الأرض قرشي أبر بوالديه منك ، وأنك كنت أحسن الناس عينين ، فأفسد عينيك البكاء ، وإن أصحاب محمّد [صلىاللهعليهوسلم] كانوا يسمونك البكّاء ، ثم لقد قرأت الكتب كلها بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فما أحد أفضل منك علما في أنفسنا ، وما نعلمه من العرب رجل كان يرغب عن فقهاء أهل مصره حين يرحل إلى مصر آخر يبتغي العلم عند أحد من العرب غيرك ، فحدّثنا غفر الله لك ، قال : ما أنا بمحدّثكم حتى تعطوني موثقا (٣) لا تكذبون علي ، ولا تكذّبوني ، ولا تسخرون ، فقلنا : خذ علينا ما شئت من المواثيق ، قال : عليكم عهد الله وميثاقه لا تكذّبوني ولا تكذبون عليّ ولا تسخرون بما أحدّثكم ، فقلنا له : علينا ذلك ، فقال : الله به عليكم وكيل ، فقلنا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ثم قال عند ذلك :
أما وربّ هذا المسجد الحرام ، والبلد الحرام ، واليوم الحرام ، والشهر الحرام ، أسميت اليمين أم لا؟ قال : قلنا : قد اجتهدت ، قال : ليوشك ابني (٤) قنطور بن كركر قوم خنس الأنوف ، صغار الأعين ، كأن وجوههم المجانّ (٥) المطرّقة ، في كتاب الله المبارك أن يسوقكم (٦) بخراسان وسجستان سياقا عنيفا ، قوم يرقون اللمم (٧) وينتعلون الشعر ، ويحتجرون السيوف على أوساطهم حتى ينزلوا الأبلّة (٨) ، قال : وكم الأبلّة من البصرة؟ قلنا : أربع فراسخ ، قال : ويعقدون بكلّ نخلة [من نخل دجلة](٩) رأس فرس ، ثم يرسلون لأهل البصرة : اخرجوا منها قبل أن ننزل (١٠) عليكم ، فتخرج أهل البصرة ، فيلحق لاحق ببيت (١١) المقدس ويلحق لاحق بالمدينة ، ويلحق آخر بمكة ، ويلحق
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي ل : «من المسلمين» مكانها ، وهي أشبه.
(٢) بالأصل : تعلم.
(٣) في ل : عهدا.
(٤) الأصل ول ، وفي المطبوعة : بنو.
(٥) المجانّ واحدها مجنّ وهو الترس.
(٦) في ل والمختصر ١٣ / ٢٠٤ يسوقوكم.
(٧) في المختصر : قوم يرزقون اللحم.
(٨) الأبلة : بضم أوله وثانيه وتشديد اللام : بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج (معجم البلدان).
(٩) الزيادة عن ل والمختصر والمطبوعة.
(١٠) عن ل والمختصر وبالأصل : ينزل.
(١١) عن ل والمختصر وبالأصل : بيت.