كان عبد الله بن عمرو يأتي الجمعة من المغمّس (١) ، فيصلّي الصبح ، ثم يرتفع إلى الحجر ، فيسبّح ويكبّر حتى تطلع الشمس ، ثم يقوم في جوف الحجر ، فيجلس إليه الناس ، فقال يوما : ما أفرق على نفسي إلّا من ثلاث مواطن : في دم عثمان ، فقال له عبد الله بن صفوان : إن كنت (٢) رضيت قتله فقد شركت في دمه ، وإني آخذ المال ، فأقول : أقرضه الله هذه الليلة فيصبح في مكانه فقال ابن صفوان : أنت امرؤ لم توق شحّ نفسك ، ويوم صفّين.
قال : ونا ابن سعد (٣) ، أنا عفان بن مسلم ، نا همّام بن يحيى ، نا قتادة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن سليمان بن الربيع ، قال :
انطلقت في رهط من نسّاك أهل البصرة إلى مكة ، فقلنا : لو نظرنا رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحدّثنا إليه ، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص ، فأتينا منزله (٤) ، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة ، قال : فقلنا : على كل هؤلاء حجّ عبد الله بن عمرو؟ قالوا : نعم ، هو ومواليه وأحباؤه ، قال : فانطلقنا إلى البيت ، فإذا نحن برجل أبيض الرأس واللحية ، بين بردين (٥) قطريين (٦) عليه عمامة ليست عليه قميص ، قال : فقلنا : أنت عبد الله بن عمرو ، وأنت صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجل من قريش ، وقد قرأت الكتاب الأول ، وليس أحد نأخذ عنه أحبّ إلينا ـ أو قال : أعجب إلينا ـ منك ، فحدثنا بحديث لعلّ الله أن ينفعنا به ، فقال لنا : ممن أنتم؟ فقلنا : من أهل العراق ، فقال : إنّ من أهل العراق قوما يكذبون ويكذّبون ويسخرون قال : قلنا ما كنا لنكذّبك ولا نكذب عليك ، ولا نسخر منك ، حدثنا بحديث لعل الله أن ينفعنا به ، قال : فحدّثهم بحديث في بني قنطور بن كركر.
أنبأنا أبو علي الحسن (٧) بن أحمد ، أنا أبو نعيم (٨) أحمد بن عبد الله ، نا أبو حامد بن جبلة ، أنا محمّد بن إسحاق ، نا عبد الوارث بن عبد الصّمد بن عبد الوارث ،
__________________
(١) المغمس بالضم ثم الفتح وتشديد الميم وفتحها : موضع قرب مكة في طريق الطائف.
(٢) بالأصل : «إن كنت تصيب دمه» والمثبت عن ل وابن سعد.
(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٦٧.
(٤) عن ابن سعد ول ، وبالأصل : له.
(٥) في ل : بين يديه بردين.
(٦) قطريين ، القطر بالكسر والقطرية ضرب من البرود (القاموس).
(٧) عن ل ، وبالأصل : الحسين ، والسند معروف.
(٨) الخبر في حلية الأولياء ١ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.