الفرات بن السّائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ضبّة بن محصن العنزي (١) ، قال :
كان علينا أبو موسى الأشعري أميرا بالبصرة ، فوجّهني في بعثة إلى عمر بن الخطاب ، فقدمت على عمر ، فضربت عليه الباب ، فخرج إليّ فقال : من أنت؟ فقلت : أنا ضبّة بن محصن العنزي ، قال : فأدخلني منزله وقدّم إلي طعاما فأكلت ثم ذكرت له أبا بكر الصدّيق ، فبكى ، فقلت له : أنت خير من أبي بكر ، فازداد بكاء لذلك ثم قال وهو يبكي : والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر ، هل لك أن أحدّثك بيومه وليلته؟ فقلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : أما الليلة ، فإنه لما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم هاربا من أهل مكة خرج ليلا فاتّبعه أبو بكر ، فجعل مرة يمشي أمامه ، ومرّة خلفه ، ومرّة عن يمينه ، ومرّة عن يساره ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعالك» فقال : يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك ، وأذكر الطلب فأكون خلفك ، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك ، قال : فمشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليله كله حتى أدغل (٢) أطراف أصابعه ، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار ، فأنزل ثم قال : والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك ، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك ، قال : فدخل أبو بكر فلم ير شيئا ، فقال له : اجلس ، فإن في الغار خرقا أسدّه ، وكان عليه رداء ، فمزّقه وجعل يسدّ به خرقا خرقا ، فبقي جحران ، فأخذ النبي صلىاللهعليهوسلم فحمله ، فأدخله الغار ، ثم ألقم قدميه الجحرين ، فجعل الأفاعي والحيّات يضربنه ويلسعنّه إلى الصباح ، وجعل هو يتقلّى من شدة الألم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يعلم بذلك ويقول له : «يا أبا بكر لا تحزن ، إنّ الله معنا» ، فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة والطمأنينة لأبي بكر رحمهالله ، فهذه ليلته ، وأما يومه فلما توفي النبي صلىاللهعليهوسلم ارتدّت العرب ، فقال بعضهم : نصلّي ولا نزكي ، وقال بعضهم : نزكّي ولا نصلّي ، فأتيته لا ألوه (٣) نصحا ، فقلت : يا خليفة رسول الله ارفق بالناس ، وقال غيري ذلك ، فقال أبو بكر : قد قبض النبي صلىاللهعليهوسلم ، وارتفع الوحي ، وو الله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقاتلتهم عليه ،
__________________
(١) مهملة بالأصل بدون نقط ، ومثله في م ، وسترد «العنزي» واضحة في م بعد سطرين ، وهو ما أثبتناه. وانظر ترجمته في تهذيب الكمال ٩ / ١٥٢.
(٢) مهملة بالأصل وم بدون إعجام والصواب ما أثبت ، وأدغل في الأمر : أدخل فيه ما يفسده ، والدغل بالتحريك : الفساد.
(٣) أي لا أقصر في نصحه.