قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني نافع بن ثابت ، عن عبد الله مولى أسماء قال (١) :
لما قتل عبد الله خرجت إليه أمّه حتى وقفت عليه ، وهي على دابة ، فأقبل الحجّاج في أصحابه ، فسأل عنها فأخبر بها ، فأقبل حتى وقف عليها ، فقال : كيف رأيت نصر الله الحق ، وأظهره؟ قالت : وبما أديل الباطل على الحق وإنك بين فرثها والجيّة ، قال : إن ابنك ألحد في هذا البيت ، وقال الله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٢) وقد أذاقه الله ذلك العذاب الأليم (٣) ، قطع السبيل ، قالت : كذبت ، كان أوّل مولود ولد (٤) في الإسلام بالمدينة ، وسرّ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحنكه بيده ، فكبّر المسلمون يومئذ حتى ارتجّت المدينة فرحا به ، وقد فرحت أنت وأصحابك بمقتله ، فمن كان فرح يومئذ به (٥) خيرا منك ومن أصحابك ، وكان مع ذلك برا بالوالدين ، صوّاما ، قوّاما بكتاب الله عزوجل ، معظّما لحرم الله ، يبغض أن يعصي الله ، أشهد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسمعته يقول : «سيخرج من ثقيف كذابان ، الآخر منهما شرّ من الأول ، وهو مبير» ، وهو أنت ، فانكسر الحجّاج وانصرف ، وبلغ ذلك عبد الملك ، فكتب إليه يلومه في مخاطبته أسماء ، وقال : ما لك ولابنة الرّجل الصالح [٥٩١٤].
قال : وأنا محمّد بن عمر ، نا شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه قال :
كان عبد الله بن الزبير قد قشم جلده على عظمه ، كان يصوم الدهر ، فإذا أفطر ، أفطر على لبن الإبل ، وكان يمكث الخمس والست لا يذهب لحاجته ، وكان يشرب المسك ، وكان بين عينيه سجدة مثل مبرك البعير ، فلما قتله الحجّاج صلبه على الثنية التي بالحجون يقال له كداء (٦) ، فأرسلت أسماء إليه : قاتلك الله ، علام تصلبه؟ فقال : إنّي استبقت أنا وابنك إلى هذه الخشبة ، فكانت (٧) به ، فأرسلت إليه تستأذنه في أن
__________________
(١) الخبر في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١ ـ ٨٠ ص ٤٤٦) وسير أعلام النبلاء ٣ / ٣٧٨ وفيهما «أكثر» بدل من «أكبر».
(٢) سورة الحج ، الآية : ٢٥.
(٣) في م : أليم.
(٤) سقطت اللفظة من م.
(٥) كذا بالأصل وم : «خيرا».
(٦) في م : «كدا» وكداء موضع بأعلى مكة (ياقوت).
(٧) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة فراغ مقدار كلمة بعد لفظة فكانت ، وفي مختصر ابن منظور ١٢ / ٢٠٠ «فكانت اللنحة به» ولا معنى لها.