ولا عمل بفاحشة ، ولم يجر في حكم ، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم ، ولا معاهد ، ولم يبلغني عن عمالي فرضيته بل أنكرته (١) ، ولم يكن شيء آثر عندي من رضى ربي ، اللهمّ إنّي لا أقول هذا تزكية مني لنفسي أنت أعلم بي ، ولكني أقوله تعزية (٢) أمي لتسلو به عني ، فقالت له أمّه : إنّي لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني وإن تقدمتك ، ففي نفسي حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك ، قال : جزاك الله يا أمّه خيرا ، فلا تدعي الدعاء لي (٣) بعد قتلي ، قالت : لا أدعه ، لست بتاركة ذلك أبدا ، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ، وخرج.
وقالت أمّه : اللهمّ ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل ، وذلك النجيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبر بأبيه وبي ، اللهمّ إنّي سلّمت فيه لأمرك ، ورضيت فيه بما قضيت ، فأثبني في عبد الله ثواب الصّابرين الشاكرين.
قال : وأنا محمّد بن عمر ، نا خالد بن إلياس ، عن أبي سلمة الحضرمي ، قال : دخلت على أسماء ابنة أبي بكر يوم الثلاثاء وبين يديها كفن قد أعدته ونشرته ، وأجمرته (٤) ، وأمرت جواري لها يقمن على أبواب المسجد ، فإذا قتل عبد الله صيّحن ، فرأيتهن قد قتل عبد الله صيحن ، وأرسلت ليحمل عبد الله ، فأتى الحجّاج فجرّ رأسه وبعث به إلى عبد الملك بن مروان وصلب جثته ، فقالت أسماء : قاتل الله المبير يحول بيني وبين جثته أن أواريها ، ثم ركبت دابّتها حتى وقفت عليه وهو مصلوب ، فدعت له طويلا وما يقطر من عينها قطرة ، ثم انصرفت وهي تقول : من قتل على باطل فقد قتلت على حق ، وعلى أكرم قتلة ممتنع بسيفك ، فلا تبعد (٥).
قال : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن نافع ، عن أبيه قال : سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير ، فقال ابن عمر : لمن كان كبّر حين ولد ابن الزبير أكبر وخيرا (٦) ممن كبر على قتله.
__________________
(١) من قوله : ولا عمل بفاحشة إلى هنا سقط من م.
(٢) عن م وبالأصل : تعرفه أمي.
(٣) لفظة «لي» سقطت من م.
(٤) أي بخرته بالطيب (انظر القاموس المحيط ، تاج العروس بتحقيقنا «جمر»).
(٥) التاء مهملة بدون نقط بالأصل وم.
(٦) كذا بالأصل وم.