امتثل الأخير كل الامتثال لتلك الأوامر. ومن وقت لآخر وصلتنا من الأمير نفسه بعض الهدايا الصغيرة المكونة من الفواكه المستوردة من بلاد فارس والمعلبات وغيرها من المواد التي فكروا أنها قد تكون ضرورية لنا في وضعنا الصحي الضعيف. وليس لدي أدنى شك في أن تماثلنا السريع للشفاء إنما كان يعود بالدرجة الأساس إلى الاهتمام الشديد الذي لقيناه.
هنا أود أن أعزو إلى نفسي صفة الأنانية بدلا من أن أغفل ذكر الحكاية التالية لأنها تدل على المشاعر الكريمة التي عزوتها في أماكن أخرى لهذا الأمير العظيم. لقد لوحظ سابقا خلال إقامتي في (مسقط) أن رجلا فرنسيا يحتضر في مركب قريب من المركب الذي كنت فيه. ومع هذا ، فإنني رغبة مني في ألا تفوتني فرصة احتمال شفائه من خلال تغيير المناخ ، قمت باستئجار قارب ونقله إلى (السيب) ، البلدة التي تتمتع بمناخ صحي أفضل من (مسقط) ومنحت الأشخاص الذين اشرفوا على عنايته بضع دولارات لسد تكاليف نفقاته في حالة بقائه حيا أو دفنه في حال وفاته. ولما ذكرت هذه الحالة للأمير ، ضرب عصاه المنحنية بقوة على الأرض وقال بعنفوان شديد : (إنه رجل).
عند ما نفكر بأن عادة تقديم الهدايا ، الشائعة عموما في بلاد الشرق ، مبعثها في معظم الحالات دوافع ظاهرية وليست سخية وان سموه لم يكن يجهل العداء القومي بين فرنسا وإنكلترا ، فإن الأمر يتطلب (في آسيا في الأقل) تلك المشاعر المجاملة ، وهي من صفاته البارزة التي ساعدته في تقدير الدوافع التي لا بد ـ استنادا إلى حكمه ـ أن يكون قد تأصل فيها ذلك الفعل الإنساني الذي ألمحت إليه باختصار وهنا في أوروبا لا يعرف إلا القليل عن هذا الأمير المتنور. وكانت هديته الأخيرة المناسبة لبحارنا ملك سفينة الحرب الكبيرة المزودة بكل شيء ، ورغبته في إقامة تحالف أوثق مع بريطانيا العظمى قد جعلاه يبرز سياسيا في حين أن تشجيعه السخي للعلوم والفنون قد جذب أنظار المجتمع المثقف الواسع التأثير الذي منحه مؤخرا شرف العضوية فيه.
إن هذه الأحداث تافهة ولا بد من توضيح سبب ذكرها. الحق ، إنني إذا أردت أن أدرج كل عمل من أعمال الود والإحسان الذي لقيناه من الأمير خلال إقامتنا في عمان ، فإن هناك