لذلك المنظر ، لم تبد لي ضآلة الأعمال الفنية التي أبدعها الإنسان أمام ما أبدعته الطبيعة ، وبصورة مذهلة ، مثلما بدت لي في هذه البقعة. فالفرقاطات العديدة وأحواض السفن والصواري الشامخة كانت تضيع أمام أول سلسلة من الهضاب والتلال الواطئة وغير المهمة.
وبعد الاستدارة من حول الرأس الذي كان يشكل أقصى الطرف الشمالي الغربي من المضيق ، ندخل إلى خليج (مطرح) المجاور ونمر بمدينة جميلة تقع على إحدى الزوايا المنخفضة التي تشكل الملامح البارزة في المشهد في هذا الجزء من العالم. وفي المنطقة المحصورة بين البيوت وحافة البحر التي تشكل ما يشبه المتنزه الجميل أو منبسطا من الأرض ، ثمة حزام عريض من رمال ذات لون فاتح تمتد حتى الجروف العالية الكئيبة المطلة على كل طرف قصي من طرفي المدينة. يواجه المضيق النسائم الهابة وبسبب موقعه المكشوف لا يأتي إليه حاليا إلا القليل من السفن في بعض الأحيان ، فلا وجود لقارب صيد أو أي نوع آخر وكان غياب هذه القوارب يضيف وحشة أخرى للمكان لكنها وحشة لا تخلو من جمال.
باتجاه مدينة (مطرح) ، انتصبت أمامنا جزيرة صغيرة كانت جوانبها متشظية ومجزأة إلى قمم ذات أشكال غريبة تتربع عليها أبراج الحراسة تبدو لعين الناظر إليها صعوبة أن يضع المرء قدمه عليها. ومن فوق إحدى هذه القمم العالية ، كانت مجموعة من الجنود العرب تنظر إلينا ونحن نمر من تحتهم في حين كانت بنادقهم ورماحهم الطويلة تتألق تحت أشعة الشمس.
إن (مطرح) عبارة عن مدينة لا بأس بها أو هي على وجه الدقة مجموعة كبيرة جدا من الأكواخ تقع في أقصى المضيق وترتادها في الغالب سفن الإمام ، لكن قلما ترتادها سفن أخرى. وعلى الرغم من أن الطريق يبعد مسافة ميل واحد عن المدينة ، ويخترق سلسلة من التلال ، إلا أنه بالغ الوعورة ، كما أن المواصلات بين المدينتين تتم بوساطة القوارب. ويقدر عدد سكانها بعشرين ألف نسمة ويعملون أساسا في حياكة الأقمشة أو العباءات الصوفية التي يرتديها الناس عامة في الجزيرة العربية. وقلما تجد كوخا لا يحتوي على دولاب الغزل وأمامه تعمل بجد إحدى الإناث. وكانت وجوه النساء مكشوفة وتبدو ملامحهن منتظمة ، وفي كثير من الأحيان ، جميلة ، إلا أن أثر هذا الجمال يضيع إلى حد ما بسبب صبغ البشرة بالحنّاء. إن