مزدحما ببشر من كل لون ومن كل إقليم. فالفارسي يتميز بثيابه الفضفاضة الملونة ، والعربي بعباءته الخشنة ذات الخطوط العريضة والبلوشي بشعره الطويل وثيابه البيض والأرمني الذي يرتدي ثوبا يشبه رداء الإفرنج ، ويختلط بكل هؤلاء ويتدافع معهم بالمناكب الزنوج الأفارقة الذين لا يرتدون سوى قطعة قماش ممزقة يلفون بها وسطهم. ويؤلف هؤلاء الجزء الأكبر من الحشد الذي يصل عدده إلى مائة وخمسين فرد. ولأجل تشجيعهم وإمتاعهم ، ومتى ما كان العمل مستمرا ، يتم اختيار عشرة منهم للغناء للآخرين. ويقوم أحد الصبيان بقيادة الموسيقى بصوته الحاد فيرد عليه رفاقه بجرس عميق وترافق أصواتهم الموسيقى المنبعثة من العديد من الآلات الموسيقية والرقصات البدائية. كانت هذه الآلات فجة. فإحداها تشبه آلة الطبلة الهندية الصغيرة ، والثانية ، وهي أبسط منها تشبه الدف الأوروبي. ولاحظت أنهم في الوقت الذي لا تكون لديهم آلات موسيقية يستخدمون أواني الطبخ النحاسية. بالنسبة لأي شخص أوروبي لا يبدو خلط الأصوات ذا علاقة بالموسم يقابل هو من أبعد الأمور عنها. لكن هذه الأصوات كانت تبدو ذات أثر هائل في الأفارقة. فالأمارات المرتسمة على الوجه والتواء الأطراف والجسد والزعيق الذي يصاحب رقصاتهم والوقت الطويل الذي يستغرقه تمرينهم ـ الذي لا ينتهي إلا بسقوطهم أرضا من شدة التعب ـ كلها تشير إلى تعاطف شديد مع تلك الأصوات الغريبة عنا.
هب نسيم عليل. وعند ما مرت السفينة من إمام القلاع الشامخة على كلا الجانبين من المدخل ، أطلق مدفعان نيرانهما فكان أثر ذلك رائعا جدا مقارنة بالهدوء الذي كان يخيم على المكان. كان الصدى مقتصرا أول الأمر على الدوائر القريبة والداخلية من التلال وكان أعلى من صوت إطلاق المدفعين الأصلي وكان يسهل مقارنة الصدى بإطلاق العديد من المدافع النيران على نحو سريع وفوري. ولم يتلاشى الصدى عند ما كان يمتزج بالأصداء الأخرى التي كانت تتردد في الجبال البعيدة ، بل ظل كذلك حتى بدأ يخفت رويدا رويدا وانتهى إلى الصمت التام المطبق. حمل النسيم الدخان فوق التلال وسلّط ضوء ساطع على السفن في الميناء حتى بدت الصواري وحبال الأشرعة والحبال القصيرة الكسولة مشعة تلقي نورها على التلال المظلمة التي كانت تشكل المضيق. ولكن وبسبب الطابع الفريد