العلماء من أحبّ الأمراء ، وانه فيما مضى إذا بعث الأمراء إلى العلماء لم يأتوهم ، وإذا أعطوهم لم يقبلوا منهم ، وإذا سألوهم لم يرخّصوا لهم ، وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم ، فيسألونهم وكان في ذلك صلاح للأمراء وصلاح للعلماء ، فلما رأى ذلك ناس من الناس قالوا : ما لنا لا نطلب العلم حتى نكون مثل هؤلاء فطلبوا العلم فأتوا الأمراء فحدثوهم ، فرخصوا لهم وأعطوهم فقبلوا منهم فجرأت العلماء على الأمراء وجرأت الأمراء على العلماء.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي.
ح وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا محمّد بن هبة الله قالا : أنا محمّد بن الحسين ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، نا ابن أبي عمر قال : قال سفيان : قال بعض الأمراء لأبي حازم : ارفع إليّ حاجتك ، قال : هيهات هيهات رفعتها إلى من لا تختزل الحوائج دونه (١) فما أعطاني منها قبلت (٢) وما زوى عني منها رضيت (٣).
قال : فقال ابن شهاب : إنه جاري وما علمت أن هذا عنده.
قال أبو حازم ـ زاد البيهقي : فقلت : وقال ـ لو كنت غنيا لعرفتني ثم قلت في نفسي لا ينجو مني فقلت : كان العلماء فيما مضى يطلبهم السلطان وهم يفرون منه ، وإن العلماء اليوم طلبوا العلم حتى إذا جمعوه بحذافيره أتوا به أبواب السلاطين ، والسلاطين يفرون منهم وهم يطلبونهم.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، نا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد العزيز الدّينوري ، نا الحميدي ، عن سفيان بن عيينة قال : قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم : ما لنا نكره الموت؟ قال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ، فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب.
قال : ونا أحمد بن مروان ، نا أبو بكر أخو خطاب ، نا خالد بن خداش قال : سمعت ابن عيينة يقول : قال بعض بني مروان لأبي حازم :
__________________
(١) رسمها بالأصل : «هونه» ولعل الصواب ما أثبت عن م.
(٢) رسمها بالأصل : «فبقت» ولعل الصواب ما أثبت ، وفي م : قبلت.
(٣) انظر حلية الأولياء ٣ / ٢٣٧.