بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم ، وقد اتّخذ مطابخ ومخابز ، يحمل فيها تنانير الحديد ، وقدورا عظاما (١) يسع كل قدر عشر جزائر ، وقد اتّخذ فيه ميادين للدوابّ أمامه فيطبخ الطباخون ، ويخبز الخبازون ، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض والريح تهوي بهم. فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك المدينة ـ مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ فقال سليمان : هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به ، وطوبى لمن اتّبعه ، وطوبى لمن اقتدى به ، ثم مضى حتى مرّ بمكة ، فقال : هذا مولد نبي في آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به ، وطوبى لمن اتّبعه ، وطوبى لمن اقتدى به ، ورأى حول البيت أصناما تعبد من دون الله ، فلما جاور سليمان البيت بكا البيت ، فأوحى الله إلى البيت فقال : ما يبكيك؟ قال : يا رب أبكاني هذا نبيّ من أنبيائك وقوم من أوليائك ، وقوم من أوليائك (٢) مرّوا عليّ فلم يهبطوا فيّ ولم يصلّوا عندي ، ولم يذكروك بحضرتي ، والأصنام تعبد حولي من دونك ، فأوحى الله إليه أن لا تبك ، فإني سوف أملأك وجوها سجودا ، وأنزل فيك قرآنا جديدا وأبعث منك نبيا ، في (٣) آخر الزمان أحب أنبيائي إليّ ، واجعل فيك عمارا من خلقي يعبدوني ، وأفرض على عبادي فريضة يدفّون (٤) إليك دفوف النسور إلى وكورها ، ويحنّون إليك حنين الناقة إلى ولدها ، والحمامة إلى بيضها ، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين.
ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادي النسرين من الطائف ، فأتى على وادي النمل ، فقالت نملة تسمى جيرين (٥) من قبيلة تسمى الشيصبان وكانت عرجاء تتكاوس (٦) وكانت مثل الذئب العظيم فنادت النملة : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٧) يعني أن سليمان يفهم مقالتها ، وكان لا يتكلم خلق إلّا
__________________
(١) بالأصل وم : وقدور عظام.
(٢) كذا «وقوم من أوليائك» مكرر بالأصل.
(٣) بالأصل : «وآخر» والمثبت «في آخر» عن م ، وانظر مختصر ابن منظور ١٠ / ١٤٠.
(٤) يدفون : أي يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد (القاموس).
(٥) عن مختصر ابن منظور ، وبالأصل مهملة وغير واضحة وصورتها : «حر؟؟؟ ى» وفي م : «حبرس» وفي البداية والنهاية ٢ / ٢٣ اسمها : حرسا. وفي أحكام القرآن ٣ / ١٦٨ قيل كان اسمها : طاخية. وقال السهيلي : قالوا : اسمها حرميا ، ولا أدري كيف يتصور للنملة اسم علم والنمل لا يسمي بعضهم بعضا.
(٦) تتكاوس أي تمشي على ثلاث قوائم.
(٧) سورة النمل ، الآية : ١٨.