والثالث : يتخرج على القول بأن الحلى الجواهر يجعل مكان العين فيكمل بها النصاب هنا ، واعلم أن بين الكعبة والمساجد اشتراكا وافترقا ، أما الاشتراك فلإطلاق المسجد على الكعبة لأنها بيت الله والمساجد بيوت الله ، وأما الافتراق فالمسجد بيت لذكر الله والصلاة فيها والكعبة بيت للصلاة إليها واختلاف العلماء فى الصلاة فيها ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» فالمسجد الحرام الذى تشد الرجال إليه يصح أن يقال إنه الكعبة ويصح أن يقال إنه الذى حولها الذى هو محل الصلاة وفيه مقام إبراهيم ، قال الله تعالي : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(١) فالحرم كله شريف ومكة أشرفه ، والحرم المحيط بالكعبة الذى هو مسجد أشرفها والكعبة أشرفه ، وإن كانت ليست محل الصلاة فهى من جهة التعظيم والتبجيل أزيد ، وهو من جهة إقامة الصلاة أزيد ، وتلك الجهة أعظم من هذه فلا جرم كانت فى الحلية بالذهب والفضة أحق فمن المسجد لضعف الخلاف فيها وقوى فيه أعنى فى التحلية التى استمرت الأعصار عليها ، وأما القناديل فالمقصود منها التنوير على المصلين وهم ليسوا داخل الكعبة من هذه الجهة كان المسجد بالقناديل أحق ، لكن فى الكعبة ما ذكرناه من الرجحان فى التعظيم والتبجيل فاعتد لا بالنسبة إلى القناديل فالتسوية بينهما فى القناديل لا بأس به وإلا صح منه على ما اخترناه الجواز وعلى ما قاله الرافعى التحريم ولا دليل له ؛ لأنها لا أوانى ، ولا مشتبهة بالأوانى ولم يرد فيها نهى ولا فيها معنى ما نهى عنه لا فى المساجد ولا فى الكعبة فكان القول بتحريمها فيهما باطلا لما ذكر الرافعى وغيره الكعبة والمساجد أطلقوا ، ولا شك أن أفضل المساجد ثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبى صلىاللهعليهوسلم ومسجد بيت المقدس ، ومن يقول بجواز التحلية والقناديل الذهبية فى سائر المساجد فلا شك أنه يقول بهما فى المساجد الثلاثة بطريق الأولى ، ومن يقول بالمنع فى سائر المساجد لم يصرحوا فى المساجد الثلاثة بشىء لكن إطلاقهم محتمل لها ، وعموم كلامهم يشملها ، وكلامى هذا لا يختص بمسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ، بل يعم الثلاثة ؛ لأن الكعبة غير المسجد المحيط بها فصار هو من جملة المساجد المعطوفة عليها ، وينبغى أن يرتب الخلاف فيقال : فى سائر المساجد غير
__________________
(١) البقرة (١٢٥).