وقد تطابق الناس على ذلك فى الأعصار من غير نكير ، وممن استدل بذلك الإمام المجتهد السبكى وعبارته ، وقد قيل : إن أول من ذهّب البيت فى الإسلام الوليد بن عبد الملك وذلك لا ينفى أن يكون ذهّب فى الجاهلية وبقى إلى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ويقال : إن الذى عمله الوليد بن عبد الملك على بابها صفائح فى الميزاب وعلى الأساطين التى فى بطنها والأركان ستة وثلاثون ألف دينار وأول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك ، ولما عمل الوليد ذلك كانت أئمة الإسلام والصالحون وسائر المسلمين يحجون وينظرون ذلك ولا ينكرون على ممر الأعصار انتهي.
قال ابن حجر الهيثمى نزيل حرم الله : يؤخذ من كلام (١) السبكى هذا أنه يجوز أن يحدث فيها كل ما يليق بتعظيمها وأبهتها وجلالتها وإن لم يحتج إليه ، فإن فرش الرخام لا يحتاج إليه البتة وإنما فيه محض زينة وجلالة ، ويؤيده أن العلماء وغيرهم أقروا الملوك ونحوهم على تغيير بابها المرة بعد المرة مع الصلاحية وعدم الاحتياج للتغيير ، وكذلك غيروا عتبتها المرة بعد المرة وميزابها المرة بعد المرة كما سيأتى بيان ذلك وليس الحامل للفاعلين على ذلك إلا إظهار أبهة الكعبة وأنه لا يليق بجلالتها إبقاء ما خلق أو عتق فيها ؛ فلذلك حمدوا على تغيير تلك الأشياء وأقرهم العلماء وغيرهم على ذلك ولم ينكروا عليهم ، فإن قلت : يحتمل أن عدم إنكارهم لعلمهم بأن أولئك الملوك لا يمتثلون أوامرهم فحينئذ لا يستدل بسكوتهم.
قلت : هذا غفلة عما قاله الأئمة إنه يجب الأمر بالمعروف وإن علم من المأمور أنه لا يمتثل ، على أنه سيأتى عن السبكى أن الملوك إنما تصعب مراجعتهم فيما يتعلق بملكهم دون نحو هذا سيما وفى توفير لأموالهم وذلك محبب للنفوس والشح مطاع ، وقد قال السيد السمهورى رحمهالله فى فتاويه بعد كلام ساقه يتعلق بأمر السلطان فى قضية بشيء ظاهره يخالف الشرع : وينبغى أن يصان أمر ولاة المسلمين عن مثل ذلك ، بل هى محمولة على ما يسوغ شرعا انتهى ولئن تنزلنا ولم نتظر لذلك كله فالإنكار لم ينحصر فى ذلك بل من
__________________
(١) انظر المناهل العذبة لوحة ٩.