أن الموهوب للمسجد يصرف فى مصالحه لا يأتى هنا ؛ لأن ذلك فيما لا يقصد واهبه جهة معينة أما لو قصد جهة معينة فتتعين ، كما قالوا فى الإهداء لرتاج الكعبة أو لتطيبها أنه يتعين صرفه فى تلك الجهة وليس هذا كما إذا وهب لرجل درهما ليصرفه فى شيء عينه حتى يأتى فيه ذلك ؛ لأن ذلك فى الهبة لخصوص عقدها ولكونها لمعين آدمى يقتضى ذلك ، وهنا الإهداء لما يقصد من الجهات فأى جهة قصدها تعينت ولم يعدل عنها ، وحيث علقت هذه القناديل فى الحجرة وصارت لها بوقف أو هلك بإهداء أو نذر أو هبة لا يجوز إزالتها ؛ لأنها وإن لم يكن تعليقها فى الأول واجبا ولا قربة صارت مشعارا ويحصل بسبب إزالتها تنقيص فيجب إدامتها ، كما قدمناه فى كسوة الكعبة أن استدامتها واجبة وابتداءها غير واجب ، فلو لم يحصل وقف ولا تمليك ولكن أحضرها صاحبها وعلقها هناك مع بقائها على ملكه لقصد تعظيم المكان وانتسابه إليه فينبغى له أن لا يزيلها ما أمكنه عدم إزالتها ؛ لأن الشعار الحاصل لها والنقص الحاصل بزوالها موجود هنا كما هو موجود فى التى خرج عنها فليخشى عليه من تغييرها أو تغيير عقده من الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)(١) هذا فى الباطن وإنما يمكن فى الظاهر منها إذا علم منه بأن كانت باقية فى يده أو أشهد عليه بذلك عند تسليمها ، وأما إذا لم يعلم وأحضرها لناظر المكان أو القيم عليه وتسلمها منه كما هو عادة النذور والهدايا وجاء يطلبها زاعما أنه لم يكن خرج عنها فلا يقبل قوله بعد ما اقتضاه فعله وقرائنه من الإهداء كما هو أهدى هدية وأقبضها ثم جاء يزعم أنه لم يكن قصد التملك ، فإن الفعل الظاهر من الدال عرف وعادة من القرائن كاللفظ الصريح.
وأما الجواب عن قوله : وهل يجوز إحداث زخرفة وترخيم إلى آخره؟ فنعم يجوز ذلك ويدل له قول المحب (٢) الطبرى بعد أن تكلم على حديث عائشة رضى الله تعالى عنها الآتى : ومدلول هذا الحديث تصريحا وتلويحا يبيح التغيير فى البيت بالعمارة إذا كان لمصلحة ضرورية أو حاجية أو مستحسنة انتهي.
__________________
(١) الرعد (١١).
(٢) انظر القرى لقاصد أم القرى ص ٦٦.